أن أذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم)) رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجه.
ــ
فألف فهمزة، نسبة إلى صداء ممدوداً، وهو حي من اليمن، وزياد هذا صحابي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأذن له في سفره، له حديث. (أن أذن) أن مفسرة لما في أمر من معنى القول. (أن أخا صداء) أي صاحب صداء، وهو زياد بن الحارث، قيل له ذلك؛ لأنه كان من نسل صداء وولده، كما يقال لمن كان من العرب: يا أخا العرب، ولمن كان من تميم: يا أخا تميم. (ومن أذن فهو يقيم) أي فهو أحق بالإقامة، فلا يقيم غيره إلا لداع إلى ذلك كما في إقامة عبد الله بن زيد رائي الأذان. وفيه دليل على أن الإقامة حق لمن أذن، فيكره أن يقيم غيره، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم، وعضد حديث زيادة هذا حديث ابن عمر بلفظ:"فهلا يا بلال! فإنما يقيم من أذن"، أخرجه ابن شاهين، والطبراني، والعقيلي، وأبوالشيخ، والخطيب، وإن كان قد ضعفه أبوحاتم، وابن حبان. وقال أبوحنيفة ومالك: لا يكره إقامة غير المؤذن، فلا فرق بين إقامة المؤذن وإقامة غيره، والأمر متسع. قال ابن الملك: وحديث زياد محمول على ما إذا لحقه الوحشة بإقامة غيره. واستدل لهما بحديث عبد الله بن زيد عند أبي داود أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمره أن يلقي الأذان على بلال: أنا رأيته يعني الأذان في المنام، وأنا كنت أريده، قال: فأقم أنت. وفي سنده محمد بن عمرو الواقفي، وهو ضعيف، ضعفه القطان، وابن نمير، ويحيى بن معين. وذكر البيهقي: أن في إسناده ومتنه اختلافاً. وقال الحازمي: في إسناده مقال، قلت: الأخذ بحديث الصدائي أولى؛ لأنه أقوم إسناداً من حديث عبد الله بن زيد كما ستعرف، ولأن حديث عبد الله بن زيد كان في أول ما شرع الأذان، وذلك في السنة الأولى، وحديث الصدائي كان بعده بلا شك، والأخذ بآخر الأمرين أولى، ولأن لحديث الصدائي شاهداً من حديث ابن عمر وإن كان ضعيفاً، وقد تقدم ذكره، ولأن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الصدائي: من أذن فهو يقيم، قانون كلي. وأما حديث عبد الله بن زيد ففيه بيان واقعة جزئية يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله لعبد الله بن زيد "فأقم أنت" تطييب قلبه؛ لأنه رأى الأذان في المنام، ويحتمل أن يكون لبيان الجواز. (رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه) واللفظ للترمذي، وأخرجه أيضاً أحمد (ج٤: ص١٦٩) والبيهقي (ج١: ص٣٩٩) والحديث في سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. قال السندي في حاشية ابن ماجه: والإفريقي في إسناد الحديث وإن ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأحمد، لكن قوى أمره محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: هو مقارب الحديث. وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم، وتلقيهم الحديث بالقبول مما يقوي الحديث أيضاً فالحديث صالح، فلذلك سكت عليه أبوداود-انتهى. قلت: وسكت عليه المنذري أيضاً. وقال ميرك: ضعفه الترمذي لأجل الإفريقي، وحسنه الحازمي وقواه العقيلي وابن الجوزي-انتهى. وقال الشوكاني في السيل الجرار: حديث "من أذن فهو يقيم" لم يتكلم عليه إلا بأن في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وقد وثقه جماعة، ولم يقدح