الفقهية بحيث يستحسنه الفقيه، ووضع الترغيب والترهيب على ما يقتضيه العلم ويرتضيه، ولو فكر أحد في تغيير باب عن موضعه لم يجد له موضعاً أنسب مما اقتضى رأيه، ولذلك عكف عليه المتعبدون، واعتنى بشأنه العلماء بالقراءة والتعليق، فله شروح كثيرة، ذكرها جلبي في كشف الظنون، لكنه لطلب الاختصار ترك ذكر الأسانيد اعتماداً على نقل الأئمة، ولم يذكر كثيراً من الصحابة رواة الآثار، ولا تعرض لتخريج تلك الأخبار، بل قسم أحاديث كل باب إلى صحاح وحسان، واصطلح على أن جعل الصحاح ما هو في الصحيحين أو أحدهما، والحسان ما ليس في واحد منهما، والتزم أن ما كان فيها من ضعيف أو غريب أشار إليه ونبّه عليه، وإن ما كان موضوعاً أو منكراً لم يذكره ولا يشير إليه، هذا هو المشروط في الخطبة، لكن ذكر في أواخر باب مناقب قريش حديثاً وقال في آخره: منكر، وقيل: قد ألحقه بعض المحدثين، قال النووي في التقريب تبعاً لابن الصلاح: أما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مريداً بالصحاح ما في الصحيحين وبالحسان ما في السنن فليس بصواب؛ لأن في السنن الصحيح والحسن والضعيف والمنكر - انتهى. قال السيوطي في التدريب (ص٥٤) : ومن أطلق عليها الصحيح كقول السلفي في الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، وكإطلاق الحاكم على الترمذي الجامع الصحيح، فقد تساهل. قال العراقي: وأجيب عن البغوي بأنه يبين عقب كل حديث الصحيح والحسن والغريب، قال: وليس كذلك، فإنه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن، بل يسكت ويبين الغريب والضعيف غالباً، فالإيراد باقٍ في مزجه صحيح ما في السنن بما فيه من الحسن، وقال شيخ الإسلام: أراد ابن الصلاح أن يعرف أن البغوي اصطلح لنفسه أن يسمي السنن الأربعة الحسان، ليغتني بذلك عن أن يقول عقب كل حديث أخرجه أصحاب السنن، فإن هذا اصطلاح حادث ليس جارياً على المصطلح العرفي - انتهى. قلت: وقد وقع له بعد ذلك الاصطلاح أن ذكر أحاديث من الصحاح ليست في أحد من الصحيحين وأحاديث من الحسان هي في أحد الصحيحين، وأدخل في الحسان أحاديث ولم ينبه عليها، وهي ضعيفة واهية في غاية الضعف كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. ثم إن الشيخ ولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب كمل المصابيح وذيل أبوابه، فذكر الصحابي الذي روى الحديث عنه، وذكر الكتاب الذي أخرجه منه، وزاد على كل باب من صحاحه وحسانه إلا نادراً فصلاً ثالثاً، وسماه "مشكاة المصابيح"، فصار كتاباً حافلاً كما ترى، وله تصرفات أخرى أيضاً في المصابيح، كما سيجيء ذكره في كلامه، نعم، لم يتعرض هو كالبغوي للكلام على الأحاديث التي أوردها من السنن والمسانيد التي لم يلتزم مصنفوها الصحة في الغالب طلباً للاختصار، ولا يخفى أنه يسوغ العمل بأحاديثها التي لم يقع التصريح بتحسينها أو تصحيحها منهم أو من غيرهم ممن يعتمد عليه إلا بعد البحث عنها، فما كان منها صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً يحتمل ضعفه يقبل، وما لم يكن كذلك يرد. قال في كشف الظنون: قيل عدد أحاديث المصابيح أربعة آلاف وسبعمائة وتسعة عشر حديثاً، منها المختص بالبخاري ثلاثمائة وخمسة وعشرون حديثاً، وبمسلم ثمانمائة وخمسة وسبعون حديثاً، ومنها المتفق عليها ألف وإحدى وخمسون حديثاً، والباقي من كتب أخرى، وقال ابن الملك: إن عدد الأحاديث المذكورة فيه أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وثمانون حديثاً، منها ما هو من الصحاح ألفان وأربعمائة وأربعة وثلاثون حديثاً.