٦٩٤- (١) عن ابن عباس، قال:((لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت، دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال: هذه القبلة))
ــ
٦٩٤- قوله:(البيت) أي الكعبة وهو بيت الله الحرام. (دعا في نواحيه) أي جوانبه جمع ناحية وهي الجهة. (كلها) وفي رواية فكبر فيها. وفيه دليل على استحباب الدعاء والتكبير في الكعبة، ولا خلاف فيه لأحد. (ولم يصل) أي في البيت. وفي حديث ابن عمر الذي بعده عن بلال: أنه صلى فيه، فأثبت بلال صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة، وابن عباس نفاها، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال، وتقديم إثباته على نفي غيره لأمرين: أحدهما أن بلالاً كان معه - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ ولم يكن معه ابن عباس، وإنما استند في نفيه تارة إلى أسامة وتارة إلى أخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، وقد روى مسلم عن أسامة نفي الصلاة في الكعبة من طريق ابن عباس كما سيأتي التصريح به من المصنف، ووقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عند أحمد وغيره. فتعارضت الرواية في ذلك عنه، فترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت ومعه زيادة علم، وغيره نافٍ. ومن جهة أنه لم يختلف فيه في الإثبات، واختلف على من نفي، ويمكن الجمع بين روايتي أسامة المثبتة والنافية بأنه حيث أثبتها اعتمد في ذلك على خبر غيره، وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره - صلى الله عليه وسلم - حين صلى فيها. وقال النووي: يجب ترجيح رواية بلال؛ لأنه مثبت فمعه زيادة علم، وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية، ثم صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية فرأه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله بالدعاء، ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملاً بظنه، وأما بلال فحققها فأخبر بها. وقيل يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة لم يشهد صلاته، ويشهد له ما رواه أبوداود الطيالسي في مسنده عن أسامة، قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة فرأى صوراً، فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور. قال القرطبي: فلعله استصحب النفي لسرعة عوده. وقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة مرتين، مرة صلى، ومرة دعا وكبر ولم يصل، وقال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين، فيقال: لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها؛ لأن ابن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضاً، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض. (ركع ركعتين) أي صلى فأطلق الجزء وأراد به الكل. (في قبل الكعبة) بضم القاف والموحدة وقد تسكن، أي مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها الذي فيه الباب وهذا موافق لرواية ابن عمر عند البخاري فصلى في وجه الكعبة ركعتين. (هذه) أي الكعبة. (القبلة) التي استقر الأمر على استقبالها فلا تنسخ إلى غيرها كما نسخ بيت المقدس،