للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٠١- (٨) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم.

٧٠٢- (٩) وعن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من بنى لله مسجدا، بنى الله له بيتاً في الجنة)) متفق عليه.

ــ

٧٠١- قوله: (أحب البلاد) أي أحب أماكن البلاد وبقاعها، ويمكن أن يراد بالبلد مأوى الإنسان فلا تقدير. (إلى الله مساجدها) ؛ لأنها بيوت الطاعة، وأساس التقوى، ومحل تنزل الرحمة، وموضع التقرب إلى الله تعالى. (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) ؛ لأنها محل أفعال الشياطين من الحرص والطمع والخيانة والغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والفتن والغفلة، فالمراد محبة وبغض ما يقع فيهما. وقيل: المعنى أي من يمكث في المساجد أحب إلى الله ممن يمكث في غيرها إذ المحبة الإثابة، ولا معنى لإثابة نفس المساجد، فالمراد الماكث فيها لذكر الله أو اعتكاف أو نحوهما. وكذا المراد بغض من في الأسواق لتعاطيه الأيمان الكاذبة، والغش، والأعراض الفانية لا بغض نفس الأسواق، نظير ما ورد في مدح الدنيا وذمها، فالمراد مدح من قام بحقوق الله تعالى فيها وذم ضده. وقال النووي: الحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر، أو فعله ذلك بمن أسعده أو أشقاه. والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها، وهي جمع سوق سمى به لأن الأشياء تساق للبيع، أو لأن الناس تمشي فيه للبيع والشراء على سوقها جمع ساق. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً ابن حبان وأخرجه أحمد والحاكم عن جبير بن مطعم.

٧٠٢- قوله: (من بنى) حقيقة أو مجازاً. (لله) أي يبتغي به وجه الله لا رياء وسمعة. قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص- انتهى. ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وإن كان يؤجر في الجملة، وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجداً بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء؟ وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا؟ وإن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم، وهو المتجه. وكذا قوله "بنى" حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضي دخول الأمر بذلك أيضاً، قاله الحافظ. (مسجداً) أي كبيراً كان أو صغيراً، فقد رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً بزيادة لفظ "صغيراً كان أو كبيراً"، ويدل لذلك رواية "كمفحص قطاة"، وهي مرفوعة ثابتة عند ابن أبي شيبة عن عثمان، وابن حبان والبزار عن أبي ذر، وأبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس، والطبراني عن أبي بكر، وابن خزيمة عن جابر. وحمل ذلك العلماء على المبالغة وقيل: هي على ظاهرها. (بنى الله) إسناد البناء إلى الله تعالى مجاز أي أمر الملائكة ببنائه، أو البناء مجاز عن الخلق والإسناد حقيقة، وأبرز الفاعل تعظيماً وافتخاراً. (بيتاً في الجنة) زاد الشيخان في رواية "مثله" وكذا الترمذي، وقد اختلف في معنى المماثلة، فقيل: مثله في الشرف والفضل والتوقير؛ لأنه جزاء المسجد فيكون مثلاً له في صفات الشرف. وقيل: مثله في مسمى

<<  <  ج: ص:  >  >>