للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أيمانهم والمغرب عن يسارهم، وكذلك أهل العراق وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة من السعة فيما بين المشرق والمغرب، وكذلك ضد العراق على ضد ذلك أيضاً، وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع قليلاً، ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلاً ثم لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا_ انتهى. قال الترمذي: قال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة. وقد ذكر العلامة أحمد بن علي المقريزي هذا الحديث في أثناء الفصل الذي عقده في خططه (١) عن المحاريب التي بديار مصر (ج٤: ص٢١-٣٣ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦) ومما قال في شرحه: إذا تأملت وجدت هذا الحديث يختص بأهل الشام والمدينة وما على سمت تلك البلاد شمالاً وجنوباً فقط، والدليل على ذلك أنه يلزم من حمله على العموم إبطال التوجه إلى الكعبة في بعض الأقطار، وقد عرفت إن كنت تمهرت في معرفة البلدان وحدود الأقاليم أن الناس في توجههم إلى الكعبة كالدائرة حول المركز، فمن كان في الجهة الغربية من الكعبة فإن جهة قبلة صلاته إلى المشرق، ومن كان في الجهة الشرقية من الكعبة فإنه يستقبل في صلاته جهة المغرب، ومن كان في الجهة الشمالية من الكعبة فإنه يتوجه في صلاته إلى جهة الجنوب، ومن كان في الجهة الجنوبية من الكعبة كانت صلاته إلى جهة الشمال، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والجنوب فإن قبلته فيما بين الشمال والمغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الجنوب والمغرب فإن قبلته فيما بين الشمال والمشرق، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والشمال فقبلته فيما بين الجنوب والمغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الشمال والمغرب فقبلته فيما بين الجنوب والمشرق، إلى آخر ما قال. وقد علمت مما تقدم أن الحديث على هذا المعنى يدل على أن الواجب استقبال جهة الكعبة في حق من بعد عن الكعبة وتعذرت عليه العين، وقد ذهب إليه أكثر السلف مالك، وأحمد، وأبوحنيفة وغيرهم، وهو ظاهر ما نقله المزني عن الشافعي، ووجه الاستدلال به على ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه؛ لأن المعاين لا تنحصر قبلته بين الجهتين المشرق والمغرب، بل كل الجهات في حقه سواء متى قابل العين. فالحديث دليل على أن ما بين الجهتين قبلة، وأن الجهة كافية في الاستقبال، وذهب الشافعي في أظهر القولين عنه: أن فرض من بعد إصابة العين، وأنه يلزمه ذلك بالظن، وقوله تعالى: {حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [٢: ١٤٤] يدل على كفاية الجهة، إذ العين في كل محل تتعذر على كل مصل، فالحق أن الجهة كافية لمن تعذر عليه العين. وقال ابن المبارك في معنى الحديث: ما بين المشرق. (أى مشرق الشتاء) والمغرب. (أى مغرب الصيف) قبلة، هذا لأهل المشرق، واختبار التياسر لأهل مرو-انتهى. قال الشوكاني: أراد ابن المبارك بالمشرق البلاد التي يطلق عليها اسم المشرق كالعراق مثلاً، فإن قبلتهم أيضاً بين المشرق والمغرب وقد ورد مقيداً بذلك في بعض طرق حديث أبي هريرة: ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل العراق. رواه البيهقي في الخلافيات، وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل المشرق- انتهى.

(١) أعنى به كتابة "الواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>