السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرض يدبر الأمر} إلى قوله:{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}[١٠: ٣، ٤] علل الله خلق السماوات والأرض والاستواء على العرض لتدبير العالم بالجزاء من ثواب المؤمن وعقاب الكافر، ولا يكون ذلك إلا في القيامة، فيلزم منه أن لو لم يكن الحشر لكان ذلك عبثاً ولهواً. وقال تعالى:{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}[٢١: ١٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. وأما الثاني فإن قائله يحاول إزالة المخلوقات بأسرها وتخريب السماوات من أصلها، قال تعالى:{تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. أن دعوا للرحمن ولداً}[١٩: ٩٠-٩١] ، ثم تأمل في مفردات التركيب لفظة لفظة فإن قوله (لم يكن له ذلك) من باب ترتيب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية؛ لأن قوله (لم يكن له ذلك) نفي الكينونة التي بمعنى الانتفاء، كقوله تعالى:{ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}[٢٧: ٦٠] ، أراد أن تأتي ذلك محال من غيره تعالى ومنه قوله تعالى:{ما كان لنبي أن يغل}[٣: ١٦١] معناه: ما صح له ذلك، يعني أن النبوة تنافي الغلول، فحينئذٍ يجب أن يحمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي يعلل الحكم به بحسب التلميح وإلا لم يكن لتخصيص لفظ ابن آدم دون الناس والبشر فائدة، وذلك من وجوه، أحدها: أنه تمليح إلى قوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}[٧: ١١] من الله تعالى عليهم بها، المعنى إنا أنعمنا عليكم بإيجادكم من العدم، وصورناكم في أحسن تقويم ثم أكرمنا الملائكة المقربين بالسجود لأبيكم لتعرفوا قدر الإنعام فتشكروا، فقلبتم الأمر فكفرتم ونسبتم المنعم المتفضل إلى الكذب، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}[٥٦: ٨٢] أي شكر رزقكم. وثانيها: تلميح إلى قوله تعالى: {أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}[٣٦: ٧٧] المعنى أم تر أيها المكذب إلى أنا خلقناك من ماء مهين، خرجت من إحليل أبيك واستقرت في رحم أمك فصرت تخاصمني بحججك وبرهانك فيما أخبرت به من الحشر والنشر بالبرهان فأنت خصيم لي بين الخصومة، وما أحسن موقع المفاجأة التي يعطيها قوله تعالى:{فإذا هو خصيم مبين} . وثالثها إلى قوله تعالى:{أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم}[٣٦: ٨١] المعنى أو ليس الذي خلق هذه الأجرام العظام بقادر على أن يخلق مثل هذا الجرم الصغير الذي خلق من تراب ثم من نطفة، وكذلك قوله:(أنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد) أوصاف مشعرة بعلية الحكم، أما قوله (الأحد) فإنه بنى لنفي ما يذكر معه من العدد، فلو فرض له ولد يكون مثله، فلا يكون أحداً، والصمد هو الذي يصمد إليه في الحوائج، فلو كان له ولداً لشركه فيه، فيلزم إذاًً فساد السماوات والأرض، وقوله (كفواً) أي صاحبة لا ينبغي له لأنه لو فرض له ذلك للزم منه الاحتياج إلى قضاء الشهوة، وكل ذلك وصف له بما فيه نقص وإزراء، وهذا معنى الشتم، والله أعلم – انتهى كلام الطيبي.
٢١- قوله:(وفي رواية ابن عباس) أي في هذا الحديث، قال الحافظ بعد ذكر الاختلاف بين روايتي أبي هريرة