على نفي الكمال تمسك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالإعادة بعد التعليم، فدل على إجزائها وصحتها، وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية. وفيه نظر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة، فسأله التعليم فعلمه، فكأنه قال له: أعد صلاتك على هذه الكيفية - انتهى. وقال القاري: تقريره على صلاته كرات يؤيد كونه نفي الكمال لا الصحة، فإنه يلزم منه أيضاً الأمر بعبادة فاسدة مرات. قلت: أراد القاري أنه لو حمل على نفي الصحة يلزم أنه - صلى الله عليه وسلم - قرره مراراً على أن يصلي صلاة فاسدة، ويلزم منه أيضاً أنه أمر بعبادة فاسدة مرات، بخلاف ما إذا أريد بالنفي نفي الكمال. وفيه نظر؛ لأنه لم يؤذن له في صلاة فاسدة، ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة الثانية والثالثة فاسدة، بل هو محتمل أن يأتي بها صحيحة، وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة الصحيحة المجزئة، وسيأتي مزيد توضيح لذلك. وقد احتج بعضهم لتوجه النفي إلى الكمال بما وقع عند الترمذي في هذه القصة من حديث رفاعة بلفظ: فعاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل، حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك. وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئاً انتقص من صلاته، ولم تذهب كلها. قالوا: والنقص لا يستلزم الفساد، وإلا لزم في ترك المندوبات؛ لأنها تنتقص بها الصلاة. وأيضاً كون هذه المقالة كانت أهون عليهم يدل على أن المراد بالنفي نفي الكمال؛ لأن قوله أولاً:"لم تصل" يوهم نفى الصلاة برأسها، وقوله ثانياً:"إن انتقصت منه شيئا" الخ. يدل على النقصان، وعدم ذهاب الصلاة كلها، ولذا كان أهون عليهم من الأول، لكنهم علموا وفهموا حينما سمعوا قوله الثاني أنه إنما أراد بنفي الصلاة في قوله الأول:"لم تصل" نفي الكمال لا نفي الذات والحقيقة أو الصحة. وأجيب بأن الانتقاص يستلزم الفساد وعدم الصحة؛ لأنا متعبدون بصلاة لا نقصان فيها، فالناقصة فاسدة غير صحيحة، ومن ادعى صحتها وعدم فسادها فعليه البيان. ولا نسلم أن ترك مندوبات الصلاة ومسنوناتها انتقاص منها؛ لأنها أمور خارجة عن ماهية الصلاة، فلا يراد الإلزام بها، وكونها تزيد في الثواب لا يستلزم أنها منها، كما أن الثياب الحسنة تزيد في جمال الذات وليست منها. والحجة في الذي جاءنا عن الشارع من قوله، وفعله، وتقريره، لا في فهم بعض الصحابة. سلمنا أن فهمهم حجة لكونهم أعرف بمقاصد الشرع، لكن لا دليل هنا على أنهم فهموا حين سمعوا قوله الثاني نفي الكمال، وإنما كان قوله الثاني أهون عليهم من جهة أن من أتى ببعض واجبات الصلاة فقد فعل خيراً من قيام وذكر وتلاوة، وإنما يؤمر بالإعادة لدفع عقوبة ما ترك، وترك الواجب سبب للعقاب، فإذا كان يعاقب بسبب ترك البعض يلزمه أن يفعله إن أمكن فعله وحده، وإلا فعله مع غيره، والصلاة لا يمكن فعل المتروك منها إلا بفعل جميعها. وقال ابن تيمية: من قال: إن هذا لنفي الكمال قيل: إن أردت الكمال المستحب، فهذا باطل لوجهين: أحدهما: أن هذا لا يوجد قط في لفظ الشارع أنه ينفي عملاً فعله العبد على الوجه الذي وجب عليه، ثم ينفيه لترك المستحبات، بل الشارع لا ينفي عملاً إلا إذا لم يفعله العبد كما وجب عليه. والثاني: لو نفى لترك مستحب لكان عامة الناس لا صلاة لهم ولا صيام، فإن الكمال المستحب متفاوت، إذ كل من لم يكملها كتكميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال: لا صلاة له- انتهى. واستدل بقوله: "صل فإنك