فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن
ــ
ليس بدليل على الجواز مطلقاً، بل لا بد من انتفاء الموانع وزيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم لا سيما مع عدم خوف الفوت، إما بناء على ظاهر الحال أو بوحي خاص. (ثم استقبل القبلة) فيه دليل على وجوب استقبال القبلة، وهو إجماع المسلمين إلا في حالة العجز، أو في الخوف عند التحام القتال، أو في صلاة التطوع، وقد دل على وجوبه القرآن والسنة المتواترة. (فكبر) أي تكبيرة الإحرام. وفي رواية الطبراني لحديث رفاعة: ثم يقول"الله أكبر". وهي تبين أن المراد من التكبير خصوص هذا اللفظ، فلا يصح افتتاح الصلاة إلا بلفظ الله أكبر دون غيره من الأذكار، خلافاً لأبي حنيفة فإنه يقول: يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم، وهذا نظر منه إلى المعنى، وأن المقصود التعظيم فيحصل بكل ما دل عليه. والحق ما ذهب إليه مالك وأحمد من تعيين التكبير وتخصيص لفظ الله أكبر. قال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث يعين التكبير، ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات، ويكثر ذلك فيها، فالاحتياط فيها إتباع اللفظ. وأيضاً فالخصوص قد يكون مطلوبا أعني خصوص التعظيم بلفظ الله أكبر، وهذا لأن رتب هذه الأذكار مختلفة كما تدل عليه الأحاديث فقد لا يتأدى برتبة ما يقصد من أخرى، ونظيره الركوع، فإنا نفهم أن المقصود منه التعظيم بالخضوع، ولو أقام مقامه خضوعاً آخر لم يكتف به، ويتأيد هذا باستمرار العمل من الأمة على الدخول في الصلاة بهذه اللفظة أعني الله أكبر. (ثم اقرأ بما تيسر) أي لك حال كونه (معك) وقال الأبهرى: الباء للاستعانة أي أوجد القراءة مستعيناً بما تيسر، أو زائدة، ويؤيده رواية البخاري "ما تيسر" بدون الباء (من القرآن) استدل بالحديث على عدم فرضية الفاتحة إذ لو كانت فرضاً لأمره، لأن المقام مقام التعليم فلا يجوز تأخير البيان. وأجيب عنه بأنه قد أمره - صلى الله عليه وسلم - بقراءة الفاتحة، ففي حديث رفاعة عند أبي داود: ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ. وعند أحمد وابن حبان:"اقرأ بأم القران ثم اقرأ بما شئت". وقد تقرر أنه يؤخذ بالزائد إذا جمعت طرق الحديث، ويقال: إن الراوي حيث قال ما تيسر ولم يذكر الفاتحة ذهل عنها، لكنه يلزم حينئذٍ إخراج صيغة الأمر عن ظاهرها؛ لأنه لا يجب قراءة ما زاد على الفاتحة. وقيل: قوله: "ما تيسر" عام يخصص بقوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، ولا يخفى بعده لأن سياق الكلام يقتضى تيسير الأمر عليه، وإنما يقرب هذا إذا جعلت ما بمعنى الذي، وأريد بها شيء معين، وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة. وقيل: هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة، ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر، ولا يخفى ضعفه لكنه محتمل، ومع الاحتمال لا يترك الصريح، وهو قوله:"لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب". وقيل: الحديث لا يصرف ما ورد في غيره من الأدلة المقتضية لفرضية الفاتحة؛ لأنه يؤخذ بالزائد فالزائد من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال الخطابي: