وسعديك، قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك – ثلاثاً -، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)) .
ــ
غير حصر، من لب أي أجاب أو أقام، أي أجبت لك إجابة بعد إجابة، أو أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة، وكان حقه أن يقال لبالك فثنى على معنى التأكيد، وقال العيني: قال ابن الأنباري: في لبيك أربعة أقوال، أحدها: إجابتي لك، مأخوذ من لب بالمكان وألب به: إذا أقام به، وقالوا: لبيك فثنوا لأنهم أرادوا إجابة بعد إجابة كما قالوا حنانيك أي رحمة بعد رحمة، والثاني: اتجاهي يا رب وقصدي لك، فثنى للتأكيد أخذاً من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها، والثالث: محبتي لك يا رب، من قول العرب امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه. الرابع: إخلاصي لك يا رب، من قولهم: حسب لباب إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك لب الطعام ولبابه (وسعديك) تثنية سعد، والمعنى أنا مسعد طاعتك إسعاداً بعد إسعاد، فثنى للتأكيد وتكرير النداء بقوله (يا معاذ) لتأكيد الاهتمام بما يخبر به وليكمل تنبيه معاذ فيما يسمعه، فيكون أوقع في النفس وأشد في الضبط والحفظ (ثلاثاً) أي قيلاً ثلاثاً، وهو يتعلق بقول كل واحد من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ أي وقع هذا النداء والجواب ثلاث مرات (ما من أحد) من زائدة لاستغراق النفي، وأحد مبتدأ وصفته قوله (يشهد) وخبر المبتدأ قوله: إلا حرمه الله على النار، وهو استثناء مفرغ أي ما من أحد يشهد محرم على شيء إلا محرماً على النار، والتحريم بمعنى المنع، قاله القاري. وقال العيني: كلمة ما للنفي، وكلمة من زائدة لتأكيد النفي، وأحد اسم ما ويشهد خبرها وأن مفسرة، وإلا حرمه الله على النار استثناء من أعم عام الصفات، أي ما أحد يشهد كائناً بصفة التحريم، انتهى. فتأمل (صدقاً) يجوز أن يكون حالاً عن فاعل يشهد بمعنى صادقاً، أو يكون صفة مصدر محذوف أي شهادة صدقاً، وقال القاري: هو مصدر فعل محذوف أي يصدق صدقاً، وقوله (من قلبه) صفة صدقاً؛ لأن الصدق قد لا يكون من قلب أي اعتقاد كقول المنافقين:{إنك لرسول الله} ، وقال العيني: قوله من قلبه يجوز أن يتعلق بقوله صدقاً، أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه، فالشهادة لفظية، ويجوز أن يتعلق بقوله يشهد، فالشهادة قلبيه أي يشهد بقلبه ويصدق بلسانه، قال السندهي: الشهادة فعل اللسان، وفعل القلب لا يسمى شهادة، فجعل من قلبه متعلقاً بيشهد على معنى أنه يشهد بالقلب غير ظاهر، نعم يمكن جعله متعلقاً به على معنى شهادة ناشئة من مؤاطاة قلبه، لكن لا يبقى حينئذٍ لقوله صدقاً كثير فائدة – انتهى. (إلا حرمه الله على النار) ظاهر هذا يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد، وهو مصادم للأدلة القطعية الدالة على دخول طائفة من عصاة الموحدين النار ثم يخرجون بالشفاعة، وقد أجيب عنه بأجوبة، منها أن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك قبل أن يتمكن من الإتيان بفرض آخر، وهذا قول البخاري، ومنها أن المراد بالتحريم تحريم الخلود لا أصل الدخول، ومنها أنه خرج مخرج الغالب إذ الغالب