للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الإشارة وبالعكس. وروى الترمذي مرفوعاً في حديث تسليم النصارى الإشارة بالأكف، والسلام بإشارة الكف أو اليد لا بد وأن يكون فيه الرفع كما هو مشاهد، ولذلك أطلق أحدهما على الآخر في روايتي حديث جابر المختصرة والطويلة، ومثل هذه الإطلاقات واختلاف ألفاظ الروايات في الأحاديث بسبب تعدد الرواة وتصرفهم كثير لا يخفى على من له وقوف بهذا الشأن. فادعاء التغاير بين الحديثين بمثل هذه الاختلافات بعيد من شأن أهل العلم. ولو سلم التغاير بينهما وكونهما قضيتين مختلفتين لم يكن في الحديث الأول أي المختصر دليل على منع الرفع عند الركوع والرفع منه على الهيئة المخصوصة، فإن النهي ورد فيه على الرفع الذي يكون كأذناب الخيل الشمس، وينافي السكون في الصلاة وهو الرفع الذي يكون بالإشارة إلى الجانبين، وأما الرفع المتنازع فيه أي الذي يكون عند الركوع والرفع منه فليس كأذناب الخيل الشمس، ولا منافياً للسكون في الصلاة، وإلا لكان رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح أيضاً منهياً عنه؛ لأنه لا فرق بين الرفعين، ولا يتصور أن يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمر ويقبحه ويحرمه في أثناء الصلاة ثم يأذن فيه عند افتتاحها، بل يواظب على افتتاح الصلاة به. وكيف يعقل هذا وقد نهى عن التشبيك في الذهاب إلى المسجد قبل الدخول في الصلاة، وأمر بالسكينة والوقار في الإتيان إلى المسجد. وأيضاً لو كان الأمر كما زعمت الحنفية لكان الرفع في تكبير القنوت وتكبيرات العيدين أيضاً ممنوعاً؛ لأنه لم يستثن رفعاً دون رفع، ولا صلاة دون صلاة، بل أطلق، فما هو جوابهم عن الرفع عند تكبير القنوت وتكبيرات العيد فهو جوابنا عن الرفع عند الركوع والرفع منه. قال البخاري: ولو كان كما ذهبوا إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبير، وأيضاً تكبيرات العيد منهياً عنه؛ لأنه لم يستثن رفعاً دون رفع-انتهى. والحق عندي أن القول بالمنع من أمر هو كأذناب الخيل الشمس، ومناف للخشوع والسكون في الصلاة الخمس والنوافل، ثم القول بجوازه وإباحته في صلاة الوتر وصلاتي العيد جهل قبيح، مع أنه لم يثبت بحديث مرفوع صحيح صريح التكبير في قنوت الوتر، ولا رفع اليدين فيه وفي تكبيرات العيد. ثم أبين دليل على أن الرفع عند الركوع والرفع منه ليس بمراد في حديث جابر، وعلى أنه ليس من أفراد الرفع المنهي عنه المذكور في حديثه، أنه - صلى الله عليه وسلم - قد واظب عليه حتى فارق الدنيا ثم أجمع عليه الصحابة بعده والتابعون وغيرهم إلا جماعة من أهل الكوفة، فإيراد حديث جابر هذا في معرض الاستدلال به على فسخ الرفع عند الركوع والرفع منه باطل. وقد تقدم الإشارة إلى ذلك في كلام الشوكاني والسندي فتذكر. وأما الذين ذهبوا إلى جواز الأمرين، وقالوا بنسخ استحباب الرفع، واختاروا ترك الرفع، فاستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود الآتي في الفصل الثالث، وبحديث البراء عند أبي داود وغيره. وأجيب عن ذلك بأنهما حديثان ضعيفان غير صالحين للاستدلال كما ستعرف، ولو سلم صلوحهما للاستدلال فغاية ما فيهما أنه ترك الرفع في غير الافتتاح أحياناً، وهذا إنما يدل على أن الرفع في غير الافتتاح ليس بسنة لازمة يلام تاركها، لا على أنه منسوخ؛ لأن مجرد الترك لا يدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>