الحواشي على الأصول الستة. والشيخ عبد الحي اللكنوي شيخ النيموي فإنهما صرحا بأن الرفع أرجح من الترك. وقد حققنا بما لا يدفع أن أحاديث الترك ضعيفة لا تصلح لمعارضة أحاديث الرفع لضعفها. ولأنه لا تعارض بين الفعل والترك؛ لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز، ولقد صدق ابن الجوزي حيث حكم بالبلادة على من حاول معارضة أحاديث الرفعات بما روى من الأحاديث في عدم الرفع، فقال: ما أبلد من يحتج بهذه الأحاديث يعني التي تروى في عدم الرفع إلا مرة في التحريم ليعارض بها الأحاديث الثابتة. وقال البخاري: من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة، فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركة- انتهى. وليس في كلام البخاري هذا شيء من المبالغة كما توهم بعض الحنفية. وقد قررنا أيضاً أن حديث جابر بن سمرة ليس بوارد في الرفع المتنازع فيه، فإذن لا احتمال، ولا مجال ههنا للقول بالنسخ والتحريم، فلم يبق حينئذٍ إلا جهة كون الرفع سنة ثابتة مستمرة، وكون خلافه مرجوحاً بل باطلاً، ولا شك أن الاحتياط إنما هو في العمل بالسنة الثابتة لا في ردها وتركها ومخالفتها. والعجب من هذا البعض وأمثاله إنهم يخترعون مثل هذه الوجوه الواهية المضحكة لرد الأحاديث الصحيحة الثابتة المتواترة. هداهم الله تعالى إلى الصراط المستقيم، إلى إتباع سنن نبيه الكريم. ومنها ما قال هذا البعض أيضاً أن رواة المنع والترك أفقه من رواة المثبتين. وهذا مما لم يقدر على إنكاره الأوزاعي أيضاً فيقدم روايتهم. وفيه أنه ليس في كتب الحديث على اختلاف أنواعها حديث مرفوع صحيح، أو ضعيف صريح في المنع عن الرفع في المواضع الثلاثة. ولا يمكن للحنفية أن يأتوا بحديث صريح في المنع عن الرفع المتنازع فيه ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. وأما قوله: إن رواة أحاديث الترك أفقه، ثم ترجيحها بذلك على أحاديث الرفع، فهو ادعاء محض وتحكم مجرد، بل الأمر على خلاف ما قال هذا البعض كما سترى. وقد أشار بذلك على ما حكى أنه اجتمع أبوحنيفة مع الأوزاعي بمكة في دار الحناطين، فقال الأوزاعي: ما لكم لا ترفعون عند الركوع والرفع منه؟ فقال: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الأوزاعي: كيف لم يصح وقد حدثني الزهري، عن سالم، عن أبيه، ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع منه. فقال أبوحنيفة: حدثنا حماد، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله بن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح ثم لا يعود. فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد عن إبراهيم؟! فقال أبوحنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر أي في الفقة، وإن كان لابن عمر صحبة، وله فضل صحبته، وللأسود فضل كثير، وعبد الله عبد الله. ذكر هذه الحكاية ابن الهمام في فتح القدير، ومنه نقلها على القاري في المرقاة، والشيخ أحمد علي السهارنفوري في حاشية البخاري. قال ابن الهمام بعد ذكرها. فرجح أبوحنيفة بفقة الرواة كما رجح الأوزاعي بعلو الإسناد وهو أي