للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولعله رأى فيه تركاً، فأراد إحياء الرفع، ورمى التاركين بالحصى، ولو لم يكن هناك تاركون فمن ذا الذي كان يرميهم؟ نعم: لو كان في طريق من طرق روايته ذكر صفات أخرى أيضاً لحملناه على الاختصار فقط، إلا أنه لما لم يتعرض إلا إلى هذا الجزء خاصة علمنا فيه خمولاً في زمانه بحيث احتاج إلى الاستدلال والتفصيل، ولو كان الرفع فاشياً ولم يكن هناك تارك كما زعموه فأي حاجة دعته إلى اهتمامه أي اهتمام. وقال تلميذه: إن التخصيص بالذكر مما يحتاج إلى نكتة، ألا ترى أن بعض الأمراء لما تركوا التكبيرات حالة الخفض احتاج الصحابة إلى التعرض لحالها خاصة، ففي البخاري عن عكرمة، قال: صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق. فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. وعن سعيد بن الحارث، قال: صلى لنا أبوسعيد الخدري فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع من الركعتين. وفي الموطأ عن علي بن الحسين مرسلاً، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله. فما ترى أمثال ذلك كيف خصصوا التكبيرات بالذكر من بين سائر صفات الصلاة! فكما أن اعتناءهم ببيان التكبير دل عندهم على فقدان العمل في زمنهم، كذلك اعتناء ابن عمر بالرفع يدل على فشو العمل بالترك في الموضعين، وإثباته بين السجدتين، فاحتاج إلى إثباته أو نفيه. قال: وهناك نظائر أخرى بعضها ألصق من بعض، فقد أخرج مسلم عن جابر بن سمرة، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب. وإنما احتاج إلى تأكيد القيام من بين سنن الجمعة؛ لأن بعضهم كعبد الرحمن بن أم الحكم كان يخطب قاعداً. وأخرج الشيخان عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبوبكر، وعمر يصلون العيد قبل الخطبة، ومثله روي عن جابر والبراء، وغيرهم. وذلك لأن بعض الأمراء كمروان بن الحكم كان قدم الخطبة، فقد علمت بما ذكرنا أن الصحابة ماذا كانوا يريدون من التخصيص بالذكر، وعليه فليقس حديث ابن عمر في رفع اليدين-انتهى. وفيه أن حديث ابن عمر هذا ليس فيه أدنى دلالة على خمول الرفع، وفقدان عمل الناس به، وفشو تركه في زمنه، بل هو يدل على عكس ما فهم منه هذا البعض، أي على كون الرفع سنة مستمرة فاشية معمولاً بها في زمانه، وكون خلافه مخمولاً في عصره؛ لأنه لم يرو الإنكار عن أحد من الصحابة على روايته وعمله به، بل وافقه كثير من الصحابة في رواية الرفعات، واتفق جميعهم معه على العمل بالرفع، وأيضاً صدق جماعة منهم أباحميد الساعدي في رواية الرفع، وهذا كله يدل على فشو هذه السنة في زمن الصحابة لا على خموله، نعم لا ننكر أنه كان هناك من غير الصحابة من يتركه إما لجهله بهذه السنة، وإما لرؤيته هذه السنة غير مؤكدة، وإما لتكاسله عنها كما ترك بعضهم التكبيرات ونحوها، فكان ابن عمر يعلم من تركها لجهله عنها، ويخبر بكونه سنة مؤكدة من يهون أمرها، ويحث على العمل بها من يتكاسل ويتوانى عنها، فكان إذا رأى مصلياً لا يرفع حصبه. رواه أحمد بسنده عن نافع بهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>