للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا كما تعرض الصحابة للتكبيرات خاصة لأجل ترك بعض بني أمية إباها، وتعرض جابر للقيام في خطبة الجمعة لأجل ترك معاوية أوعبد الرحمن بن أم الحكم القيام فيها. واهتم ابن عمر وغيره بأمر تقديم صلاة العيد على الخطبة لأجل تقديم مروان الخطبة على الصلاة. وتعرض جابر لكون صلاة العيد بغير أذان وإقامة. ولا شك أن تعرض هؤلاء الصحابة لهذه الأمور خاصة بسبب ترك بعض الناس لا يدل على كون التكبيرات والقيام في خطبة الجمعة وتقديم الصلاة على الخطبة، وكون صلاة العيد من غير أذان وإقامة مخمولة متروكة مهجورة، ولا على فقدان العمل بها في زمنهم، ولا على كون خلافها فاشياً ذائعاً. ولا نعلم أحد استدل بهذه الأحاديث على أن التكبيرات وغيرها مما تقدم ذكرها آنفاً منسوخة، أو على أن تركها أرجح وأولى، فكذا اعتناء ابن عمر بالرفع خاصة لا يدل على كون الرفع مخمولاً ومتروكاً ومهجوراً، وعلى كون تركه فاشياً ذائعاً شائعاً. ولذلك لم يذهب إليه ذهن أحد ممن كان قبل هذا البعض من المقلدين لكونه خلاف الظاهر والواقع حقاً. واعلم أنه قد تفوه بعض الحنفية أن حديث ابن عمر مع كونه مخرجاً في الصحيحين مضطرب من وجوه: أحدها الاختلاف في الرفع والوقف، فرفعه سالم ووقفه نافع. وثانيها الاختلاف في مواضع الرفع، فروي عنه بذكر الرفع في موضعين فقط أي عند الافتتاح وعند رفع الرأس من الركوع، وهو عند مالك في الموطأ، وبذكره عند الافتتاح والركوع، ورفع الرأس منه، وهو عن مالك خارج الموطأ، وبذكره بعد الركعتين أيضاً في رواية نافع، وعدم ذكره في رواية سالم بل بنفيه في رواية لنافع؛ فقد روى الدارقطني في الغرائب بإسناد حسن: "ولا يرفع بعد ذلك"، فإن ظاهره يشمل النفي عما عداً المواضع الثلاثة، وروي عنه بنفيه عند السجود في الصحيحين وغيرهما، وبذكره عنده في جزء رفع اليدين للبخاري، وفي المعجم الأوسط للطبراني، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده صحيح، وروي عنه الرفع في كل خفض، ورفع، وركوع، وسجود، وقيام، وقعود، وبين السجدتين، كما في مشكل الطحاوي. وثالثها الاختلاف في عمله؛ فروي عنه الرفع عند الافتتاح فقط، وهو عن مجاهد من طريق أبي بكر بن عياش، عن حصين. وقد تابع مجاهداً عبد العزيز بن حكيم، وعطية العوفي، وروي عنه الرفع عند الركوع والرفع منه، وعند النهوض للركعة الثالثة، وروي عنه الرفع عند السجدتين وبين الركعتين أيضاً كما في المحلي لابن حزم (ج٤: ص٩٣) ورابعها الاختلاف في مقدار الرفع، فروي عنه مرفوعاً الرفع حذو المنكبين عند رفع الرأس من الركوع كما يرفع حذو منكبيه عند الافتتاح وعند الركوع، وروي من عمله عند مالك أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك، ويعارضه ما في أبي داود، قال ابن جريج: قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قال: لا، سواء. قلت: أراد هذا البعض بادعاء الاضطراب في حديث ابن عمر الاعتذار عن ترك العمل به مع كونه صحيحاً مخرجا في الصحيحين. وهذا من عادة الحنفية خلفاً عن سلف أنهم إذا رأوا حديثاً يخالف قول إمامهم جعلوا يضعفونه،

<<  <  ج: ص:  >  >>