فارجع إليه. والحق في ذلك ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن أحاديث النفي صحيحة صريحة في النفي، بخلاف أحاديث الإثبات فإنها معلولة وبعضها غير صريحة في الإثبات، ولو سلم صحتها وكونها صريحة في الإثبات فحديث ابن عمر ومن وافقه أولى أن يعمل به؛ لكونه أصح وأقوى وأرجح وأصرح. وأما ما قيل: أن الإثبات يقدم على النفي لأن مع المثبت زيادة علم فات عن النافي وإن كان أوثق من المثبت؛ ففيه أن هذا إنما هو عند عدم تحقق التعارض لإمكان تعدد الجهة أو الوقت، وأما إذا تعارض النفي والإثبات باتحاد الجهتين والوقتين معاً فقبول زيادة الثقة يستلزم ترك قول الأوثق بقول الثقة، وذلك لا يجوز إلا أن يترجح قول الثقة بما يوجب الأخذ به، فذاك باب التعارض والترجيح دون تقديم المثبت على النافي بنفس الإثبات، وههنا روايات الباب تدل بظاهرها على اتحاد الجهة وعلى اتحاد الوقت أيضاً؛ لأن النافين والمثبتين لم يقيدوا النفي والإثبات بوقت دون وقت، وكلتا الروايتين وردت بلفظة "كان"، وهي تدل على الدوام إلا إذا قامت قرينة على انتفاء ذلك، ولا قرينة ههنا، فتعارض النفي والإثبات باتحاد الجهة والوقت معاً، فتقدم رواية النفي؛ لأنها أصح وأقوى. وأشار بعض الحنفية إلى أن قوله:"وكان لا يفعل ذلك في السجود" مدرج وإلا فهو شاذ، حيث قال بعد ذكر أحاديث الرفع في السجود: فهذه الروايات كلها تخالف حديث ابن عمر؛ فلو سلم لفظ:"وكان لا يفعل" من الإدراج يكون شاذاً لمخالفة الروايات الصحيحة العديدة-انتهى. قلت: الإدراج في المتن إنما يثبت إذا ورد ذلك منفصلاً في رواية أخرى، أو نص على ذلك أحد من رواة الحديث، أو بعض الأئمة المطلعين، أو كان صدور ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً مستحيلاً، والكل ههنا منتف. وأما أحاديث الإثبات فلا تكون فرينة على الإدراج؛ لأنها ضعيفة، والضعيف لا يعل به الصحيح، أو صحيحة لكنها مرجوحة، والمرجوح لا يعل به الراجح؛ فتوهم كونه مدرجاً مردود على من توهمه. وأما دعوى شذوذه فهي أيضاً باطلة لأن تعريف الشاذ المصطلح الذي عليه المحققون هو: ما رواه المقبول مخالفاً لرواية من هو أولى منه، ولا شك أن رواية النفي أصح وأقوى وأرجح لكونها مخرجة في الصحيحين، وأيضاً لها شاهدان صحيحان من حديث علي عند الترمذي، ومن حديث أبي موسى عند الدارقطني، وعلى هذا فالشاذ والمرجوح إنما هي رواية الإثبات لا رواية النفي؛ فترد الأولى لكونها شاذة مرجوحة، وتقبل الثانية لكونها محفوظة راجحة. وقد تحقق عند هذا البعض أيضاً ضعف دعوى الإدراج والشذوذ وبطلانها حيث قال بعد ذلك: اللهم إلا أن يقال: إنها أي روايات الإثبات محمولة على أول الزمان، ثم نسخ الرفع تدريجاً-انتهى. قلت: هذه الروايات مخالفة لما رواه الشيخان وغيرهما فترد لكونها مرجوحة، وأيضاً التاريخ غير معلوم، ولا يثبت النسخ بالادعاء والاحتمال، فما بنى عليه ورتب من دعوى تدرج النسخ لا يلتفت إليه. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم. وفي الباب عن جماعة كثيرة من الصحابة. قال الشافعي: روى الرفع