وأنصفوا من أنفسهم، وذلك أن هذه اللفظة - بعينها - قد أخبر بها عن
فرعون قبل هذا بقليل، وهو (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩) .
ولسنا نشك في أن قوله خلاف قول المؤمن، إذ قوله غرور وظن، وقول المؤمن علم وحقيقة، فنظرنا في هذا العلم والحقيقة، فإذا هما هداية بيان، التي ينسبونها إلى الرحمن، في قوله:(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) ، إذ محال أن يقدر
مؤمن آل فرعون من هداية قومه، على ما لم يقدر عليه رسول الله.
صلى الله عليه وسلم، من هداية قريش وهداية عمه، حيث يقول اللَّه - تبارك وتعالى -: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ، فعلمنا - بذلك - أن كل هداية منسوبة إلى البشر فهداية
بيان وتبصر، وما كانت منسوبة إلى الله فهو على وجهين: تجوز أن
تكون دعاءً وبيانًا، وتجوز أن تكون إرإدة وإجباراً، فأيهم دل عليه
سياق الكلام كان الحكم له فيها.
فلما قال:(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)