فكانوا يقولون: أنطق جبريل بما أراد به مخاطبة الرسول من غير أن يتكلم تعالى الله به فكان يكون لإيجاده ما سمعه حينئذ معنى في العقل، وإن كان أيضا خلاف الحق، ويكون اسم الكلام لم يقع عليه قبل أن يتكلم به، فإن توهم هذا متوهم قيل له: إنما كنا نثبت عليك نفى الخلق عن القرآن ما دمت تؤمن به، وهو يكذبك، فإذا صرت تكفر بأصله اشتغلنا بغيرك ممن يؤمن به.
فنحتج منه عليه، وما عسى يقولون في قوله - جل جلاله - (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠)
أيجوز أن يكون الكلام الذي أوجده بزعمهم من غير أن يتكلم به يقول:(إِنِّي أَنَا اللَّهُ) ، فهلا قال: - ويحهم - إنه هو الله رب العالمين،.
وقالت - تبارك وتعالى - (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فهلا كان: أنه جاعل في الأرض خليفة، ويكون الجواب منهم قالوا: أيجعل فيها - بالياء - ونحن نسبح بحمده، ونقدسه - بالهاء -، ومثل هذا كثير في القرآن، وهم مع خلافهم القرآن وخروجهم من العقول، قد غلطوا في اللغة أفحش غلط، فيما زعموا: أن (كلم الله) أوجده خلافا خلقه له، لا كلاما تكلم به - إذ لو كان كذلك، لكان: وأكلم الله موسى إكلاما كما قالت: (ثم أماته فأقبره)