الإعراض ولو شاء هدايته كان مبتدئا فلا تخلوا هذه المشيئة التي لم تصحبه من الله - جل الله - من أن تكون متقدمة لخلقه فيخلقه على ما سبق له منها، أو مقرونة بخلقة فلا يعرف غيرها، أو معونة منتظرة لا سبيل له إلى الهداية إلا بها. أو ليس على الأحوال الثلاثة مضطرا إليها في الهداية، فكيف يهتدي من لم يشأ الله هدايته، أم كيف يقدر أن يضل من سبقت له مشيئة ربه في هدايته، أليس الله جل جلاله غالبا غير مغلوب قاهرا غير مقهور، ومريدا نافذ الإرادة، والخلق مريدون ممنوعون، ومجتهدون محجوبون، وممتنعون محمولون على ما لا يريدون، أليس يقول جل جلاله:(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)
ولو أنصفنا القوم لما كان لهم علينا أكثر من أن نريهم أن الله جل جلاله قد دعا إلي الهدى من حجبه عنه، وأوجب العقوبة على من قضى عليه الخطيئة، فإذا أريناهم هذا من حيث لا يشكل على فهم، وتلونا في صحته القرآن مرة بعد أخرى، وأخبرنا عنه بما أخبر عن نفسه وهو صادق. لم يكن علينا أن نريهم زوال الظلم عنه في هذا الفعل بخلقه لاتفاقهم معنا على أنه جل جلاله منزه عن الظلم، وقد تطوعنا عليهم في غير موضع من كتابنا بما يزيل وساوس الشيطان في تصور الظلم لهم فأريناهم أن معرفة