والرابع: أنه - جل وتعالى - قال بعد ذلك كله:(لَهُمْ دَرَجَاتٌ)
وقد أثبت لهم الإيمان بشرائطه وحقيقته، وهم لا يجعلون للمؤمن في إيمانه إلا درجة واحدة، ولا يجعلون للإيمان أجزاء. فكيف يستقيم أن يسمى المرء بالإقرار وحده مستكمل الإيمان وقد سمى الله - جل جلاله - كل ما حوته الآية إيمانا.
فإن قيل: فما لك تنكر على القوم أن يشهدوا لأنفسهم بحقيقة الإيمان وقد شهد الله لهم في هذه الآية؟
قيل: لم أنكر حقيقة الإيمان، وإمكانه في كثير من الخلق، وكيف أنكر شيئا أكمله الله لملائكته وأنبيائه وشهد لأهل هذه الآية به، إنما أنكرت عليهم ما أنكرت من جهتين:
إحداهما: أن الله شهد بحقيقته لأهل هذه الآية، بخصال كثيرة وهم يشهدون لأنفسهم بخصلة واحدة.
أيجوز أن أشهد على مقر بكلمة الإخلاص مصدق بها، ذكر عنده ربه
فلم يوجل قلبه، أو فرط في الصلاة، ولم يؤت الزكاة بحقيقة الإيمان، والله - جل وعلا - لم يشهد له به، فأساوي بينه وبين من كل ذلك كائن فيه.