للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجورالغالب، ويوضِّح ذلك الوجه الثاني.

الوجه الثاني: أنه وإن كان في إقرار الحكم بالغلبة والسيف ظلم وجور ومفسدة، لكن به تُدفَعُ مفسدة أكبر؛ ودين الله قائمٌ على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وذلك أنَّ مفسدة الفوضى وذهاب الأمن وسفك الدماء أعظمُ من مفسدة ظلمٍ يأتي من جهة الحاكم، ومن حوله فحسب؛ في مقابل ظلمٍ يأتي من الشعوب كلِّهم، فيأكل القويُّ الضعيف، والكثير القليل وهكذا … وتقدم ذكر هذا (١).

أما جواب الأمر الثاني فسيأتي - إن شاء الله - عند بيان أنَّ عقد الولاية لا يبطل إذا أخلَّ الحاكم بحقوق المحكومين (٢).

الشبهة الثامنة عشرة:

أن الإمام مالكًا لا يرى البيعة لمتغلِّب؛ لأن للإمام مالك كلامًا في عدم صحة بيعة المكرَه - ولا يثبت عنه، كما سيأتي إن شاء الله (٣).

وكشف هذه الشبهة من أوجه:

الوجه الأول: أنَّ الإمام مالكًا يرى صحة بيعة المتغلِّب ولو لم يرَ صحة بيعة المكره - تنزُّلًا - وإلَّا لم يصح.

قال الشاطبي: «وما قرره هو أصلُ مذهب مالك: قيل ليحيى بن يحيى:

«البيعة مكروهة؟ قال: لا، قيل له: فإن كانوا أئمة جَور؟ فقال: قد بايعَ ابنُ عمر


(١) تقدم (ص: ٢٥).
(٢) سيأتي (ص ١٤٦).
(٣) سيأتي عدم صحة نسبة هذا القول لمالك (ص: ٢١٧).

<<  <   >  >>