للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم. نعم الولاية تمكِّنه من قول حقٍّ ونشرِ علمٍ قد كان يعجز عنه بدونها، وبابُ القدرة والعجز غيرُ باب الاستحقاق وعدمهِ. نعم للحاكم إثباتُ ما قال زيد وعمرو، ثم بعد ذلك إن كان ذلك القولُ مختصًّا به كان مما يحكم فيه الحكام، وإن كان من الأقوال العامة كان من باب مذاهب الناس … » (١).

وقال: «إنَّ ما تنازع فيه العلماء ليس لأحدٍ من القضاة أن يفصلَ النزاعَ فيه بحُكم، وإذا لم يكن لأحدٍ من القضاة أن يقول: حكمتُ بأنَّ هذا القول هو الصحيح، وأنَّ القول الآخر مردودٌ على قائله، بل الحكمُ فيما تنازعَ فيه علماء المسلمين أو أجمَعوا عليه، قولُه في ذلك كقولِ آحاد العلماء إنْ كان عالمًا، وإن كان مقلِّدًا كان بمنزلة العامة المقلِّدين، والمنصبُ والولاية لا يجعل مَنْ ليس عالمًا مجتهدًا، ولو كان الكلامُ في العلم والدين بالولاية والمنصب؛ لكان الخليفة والسلطان أحقَّ بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيَهُ الناس ويرجعوا إليه فيما أشكلَ عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدَّعي ذلك لنفسه، ولا يُلزِمُ الرعية حكمَهُ في ذلك بقولٍ دونَ قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمَن هو دونَ السُّلطان في الولاية أولى بأن لا يتعدَّى طوره، ولا يقيمَ نفسه في منصب لا يستحقُّ القيامَ فيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون، فضلًا عمَّن دونهم، فإنهم -رضي الله عنهم- إنما كانوا يُلزمون الناسَ باتِّباع كتاب ربِّهم وسُنَّة نبيِّهم -صلى الله عليه وسلم-، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول:


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>