للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد دلت الأدلة على أنَّ إقامة الدولة مرادٌ لغيره، ومن ذلك أنه قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ}، ومن الأدلة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس في مكة ثلاث عشرة سنة، ولم يُنادِ إلى إقامة دولةٍ بل نادى إلى عبادة الله وحده.

وقد دلَّ على هذا أقوال أهل العلم؛ فكلُّ ما تقدَّم ذِكرهُ في التأصيلات من أقوال أهل العلم في أنَّ الإمامة والولاية مرادةٌ لغيرها يدلُّ على أنَّ الدولة مرادة لغيرها، لأن الدولة لو كانت مرادةً لذاتها لكانت الإمامة كذلك؛ فإنها ركنٌ من أركان الدولة.

الاستدراك الثاني:

استدل بأدلةٍ لا دلالة فيها ألبتة في بيان أن الدولة المسلمة مرادة لذاتها، قال: «وقد عمل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على تحقيق هذه الغاية وهو في مكة، فكان يخرج إلى القبائل في المواسم يبحثُ عمن ينصرهُ لتحقيق هذا الهدف الذي هو أيضًا وسيلة لأهداف أسمى، تتمثل في إقامة الدين والعدل الذي جاء به القرآن، فقد عرضَ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته على بني شيبان، فقال سيِّدهم المثنى بن حارثة: إنما نزلنا في العراق على عهدٍ أخذَهُ كسرى علينا؛ ألَّا نُحدِثَ حدَثًا، ولا نؤوي مُحدثًا؛ وإنى أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهُه الملوك، فإن أحببتَ أن نؤيِّدكَ وننصرَكَ مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أسأتُم بالردِّ إذ أفصحتُم بالصِّدق، وإنَّ دينَ الله لن ينصُرَه إلَّا مَنْ أحاطَهُ من جميع جوانبه» (١).

فقد كان واضحًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يدعو لدين ودولة، ولهذا أدركَ بنو شيبان أنَّ الملوك لن ترضى بمثل هذا الأمر الذي جاءهم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويؤكد


(١) دلائل النبوة لأبي نعيم (ص: ٢٨٢).

<<  <   >  >>