للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بايع الأنصار البيعة الثانية بمكة على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره؛ وهي بيعة الحرب.

ففي حديث جابر بن عبدالله: قلنا: يا رسول الله علَامَ نبايعك؟ قال: «تبايعونني على السَّمع والطاعة في النشاطِ والكسَل، والنفقة في العُسرِ واليسْرِ، وعلى الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأن يقولها لا يبالي في الله لومة لائم، وعلى أن تنصُروني وتمنَعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منهُ أنفسَكُم وأزواجَكُم وأبناءكم».

وقد أدرك هذا الأنصار فقال سيِّدهم أسعد بن زرارة: إنَّ إخراجَهُ اليوم منازعةُ العرب كافة، وقتلُ خياركم، وأن تعضَّكمُ السيوف» (١).

فقد كان خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- السياسي لهم واضحًا، وأنه يهدف إلى إقامة دولة، وقد هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه البيعة لإقامة الدولة والدين معًا، إذ لا يُتصوَّر إقامة الدين لله دون دولة تقوم بهذه المهمة، وقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة أن يحقق هذا الهدف الرئيسي الذي سيسهِّل مهمة إقامة الدين كلِّه لله (٢).

الاستدلال بهذين الدليلين على أن الدولة المسلمة مرادة لذاتها، استدلال بما لا يدلُّ عليه الدليل.

أما وجه الغرابة في الدليل الأول: هو قوله: إنه -صلى الله عليه وسلم- عرضَ نفسه على بني شيبان، وأنهم أدركوا أنَّ الملوك لن ترضى بهذا، فهذا إذًا يدلُّ على أنه كان يسعى لإيجاد دولة مسلمة، وهذا استدلالٌ ضعيف للغاية من أوجه:


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٢).
(٢) (ص: ١٣ - ١٤).

<<  <   >  >>