للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: أنه لا يلزم من معرفة بني شيبان عداء الملوك لهم إذا استجابوا لدعوةِ رسولِ الله أن يكون رسولُ الله عرضَ عليهم إيجادَ دولة، وهذا يتَّضحُ بمايلي:

وهو أنه لو قام رجلٌ على منع الخمر وتحريمه، فسيُحاربه الملوك الفاسدون، والسببُ في ذلك أنه يدعو إلى ما يخالفُ ملذَّاتهم وأهواءهم، لا أنها مرادة لذاتها.

ومثل هذا دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنها تحارب معبوداتهم المحبوبة إليهم أشدَّ من شهواتهم؛ فليس السبب أن الدولة الإسلامية مرادة لذاتها.

الوجه الثاني: أن الأدلة الأخرى بيَّنت أن وظيفة الرسل أجمعين الدعوة إلى عبادة الله وحده، فهي الغاية فقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، وما كان محقِّقًا لها فهو وسيلة لها.

الوجه الثالث: أن الأدلة الأخرى بيَّنت ما كان يدعو إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ومن ذلك ما قاله طارق بن عبد الله المحاربي: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سوق ذي المجاز وعليه حُلَّة حمراء وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلِحوا»، ورجلٌ يتبعهُ يرميه بالحجارة وقد أدمَى عُرقوبَيه وكَعبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تُطيعوه فإنَّه كذَّاب فقلت: من هذا؟ قيل: هذا غلامُ بني عبد المطلب، قلت: فمن هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قال: هذا عبد العزى أبو لهب (١).

فلم يكن يدعوهم إلى إيجاد دولة مسلمة، بل أن يدخلوا الإسلام ويعتنقوا التوحيد.


(١) صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان رقم (٦٥٢٨).

<<  <   >  >>