وممَّا حكمَ الله ورسوله فيهما ما يتعلَّق بأحكام الإمامة العظمى والولاية والسلطان، فلا يصحُّ لمن أراد نجاة الدنيا والآخرة أن يخالف حكمَ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب إلى حكم غيره من الآراء البشرية الناقصة، أو الاستحسانات المتوهَّمة.
قال الإمام ابن القيم:«والاعتراضُ ثلاثة أنواع سارية في الناس؛ والمعصومُ من عصَمهُ الله منها:
النوع الأول: الاعتراض على أسمائه وصفاته بالشُّبه الباطلة، التي يسمِّيها أربابها قواطع عقلية، وهي في الحقيقة خيالات جهلية، ومُحالات ذهنية.
النوع الثاني: الاعتراض على شرعهِ وأمره؛ وأهلُ هذا الاعتراض ثلاثة أنواع:
أحدها: المعترضون عليه بآرائهم وأقيسَتهِم، المتضمِّنة تحليلَ ما حرَّم الله -سبحانه وتعالى-، وتحريمَ ما أباحه، وإسقاطَ ما أوجَبه، وإيجابَ ما أسقَطه، وإبطالَ ما صحَّحه، وتصحيحَ ما أبطَلُه، واعتبارَ ما ألغاهُ، وإلغاءَ ما اعتبرَهُ، وتقييدَ ما أطلقَهُ، وإطلاقَ ما قيَّده.
وهذه هي الآراء والأقيسة التي اتفق السلفُ قاطبةً على ذمِّها، والتحذير منها، وصاحوا على أصحابها من أقطار الأرض، وحذَّروا منهم، ونفَّروا عنهم، ثم قال:
النوع الثالث: الاعتراض على ذلك بالسياسات الجائرة، التي لأربابِ الولايات التي قدَّموها على حكم الله ورسوله، وحكَموا بها بين عباده، وعطَّلوا لها وبها شَرعَهُ وعَدلَهُ وحُدودَه.
فقال الأولون: «إذا تعارضَ العقلُ والنقل أيُّهما يُقدَّم؟: قدَّمنا العقل».
وقال الآخَرون:«إذا تعارض الأثر والقياس، قدَّمنا القياس».