أنَّ الإمامة عقدٌ بين الحاكم والمحكوم، وفي العقد يُطالَبُ الطرفان بالقيام بحقوق كلِّ طرف، فإذا أخلَّ أحدُهم بما اتفق عليه بطل العقد. وهؤلاء فريقان؛ فمنهم مَنْ جعل العقدَ عقدَ ولاية، ومنهم من جَعله عقدَ وكالة، وهما قولان عند الحنابلة، ذكرهما أبو يعلى في كتابه المعتمد في أصول الدين.
قال ابن رجب: «المتصرف تصرُّفًا عامًّا على الناس كلهم من غير ولاية أحدٍ معين وهو الإمام، هل يكون تصرُّفه عليهم بطريق الوكالة لهم أو بطريق الولاية؟.
في ذلك وجهان؛ وخرَّجَ الآمديُّ روايتين بناء على أن خطأه هل هو على عاقلته أو في بيت المال؛ لأنَّا إنْ جعلناه على عاقلته فهو متصرِّف بنفسه، وإنْ جعلناهُ في بيت المال، فهو متصرِّفٌ بوكالتهم لهم وعليهم، فلا يضمن لهم ولا يُهدِر خطأه، فيجب في بيت المال. واختيار القاضي في خلافه أنه متصرف بالوكالة لعمومهم.
وذكر في الأحكام السلطانية روايتين في انعقاد الإمامة بمجرد القهر من غير عقد، وهذا يحسُن أن يكون أصلًا للخلاف في الولاية والوكالة أيضًا، وينبني على هذا الخلاف أيضًا انعزالُه بالعزل؛ ذكَرهُ الآمدي.
فإن قلنا: هو وكيلٌ = فله أن يعزِلَ نفسه، وإن قلنا: هو والٍ = لم ينعزل بالعزل كما أن الرسول ليس له عزلُ نفسه؛ ولا ينعزلُ بموت من بايعَهُ؛ لأنه وكيلٌ عن الجميع لا عن أهل البيعة وحدهم، وهل لهم عزلُه إذا كان بسؤاله فحكمهُ حكمُ عزلِ نفسه، وإن كان بغير سؤاله لم يجز بغير خلاف، هذا ظاهر ما