للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حُجَّة بيِّنة، وأمرٌ لا شكَّ فيه؛ يحصل به اليقين أنه كفر، فحينئذٍ يجب أن يخلع من عُقِدَتْ له البيعة على ما قدَّمناه» (١).

التنبيه الثاني: إذا ثبت كفرُ الحاكم فإنه لا يُخرَجُ عليه إلَّا عند القدرة؛ فهو كغيره من الواجبات معلَّق بالقدرة.

قال ابن حجر: «وملخَّصه: أنه ينعزل بالكفر إجماعًا، فيجبُ على كل مسلم القيامُ في ذلك؛ فمن قَوِيَ على ذلك فله الثواب، ومن داهنَ فعليه الإثم، ومن عجَز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض» (٢).


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤/ ٤٦).
(٢) فتح الباري (١٣/ ١٢٣).
قال العلامة ابن باز في مجموع فتاواه (٨/ ٢٠٣): «قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: بايعنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمر أهله، وقال: إلَّا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان».
فهذا يدلُّ على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلَّا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًّا عظيمًا، فيختلُّ به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسَّر ردعُ الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختلُّ السُّبل ولا تأمن، فيترتَّب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشرٌّ كثير، إلَّا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًّا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعايةً للمصالح العامة، والقاعدةُ الشرعية المجمَعُ عليها: «أنه لا يجوز إزالة الشَّر بما هو أشرُّ منه، بل يجب درءُ الشرِّ بما يزيله أو يخفِّفه».
أما درء الشر بشرٍّ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرًا بواحًا عندها قدرةٌ تزيله بها، وتضع إمامًا صالحًا طيبًا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشرٌّ أعظم من شرِّ هذا السلطان = فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتَّب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيالُ مَنْ لا يستحق الاغتيال … إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجبُ الصبر، والسمعُ والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السَّوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشرِّ وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شرٍّ أكثر.
قال العلامة ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح (٥١) سؤال (١٢٢٢): «إن كنَّا قادرين على إزالته فحينئذٍ نخرج، وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج، لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة، ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه، لأننا إنْ خرجنا ثم ظهرت العزَّة له، صِرْنا أذلَّةً أكثر، وتمادى في طغيانه وكفره أكثر، فهذه المسائل تحتاج إلى تعقُّل، وأن يقترن الشرع بالعقل، وأن تُبعد العاطفة في هذه الأمور، فنحن محتاجون للعاطفة لأجل تحمُّسنا، ومحتاجون للعقل والشرع حتى لا ننساقَ وراء العاطفة التي تؤدي إلى الهلاك».

<<  <   >  >>