للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إنَّ هناك فرقًا بين الغيبة والنصيحة، كما قال الإمام ابن القيم: «والفرقُ بين النصيحة والغيبة: أنَّ النصيحة يكون القصدُ فيها تحذيرُ المسلم من مبتدع، أو فتَّان، أو غاشٍّ، أو مفسدٍ، فتذكرُ ما فيه إذا استشاركَ في صُحبته ومعاملته، والتعلُّق به كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاحِ معاوية وأبي جهم فقال: «أمَّا معاويةُ فصعلوكٌ، وأمَّا أبو جهمٍ فلا يضَعُ عَصاهُ عن عاتقهِ» (١)، وقال بعضُ أصحابه لمن سافر معه: «إذا هبطتَ بلادَ قومهِ فاحذروه» (٢).

فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربةٌ إلى الله من جملة الحسنات، وإذا وقعت على وجه ذمِّ أخيك، وتمزيقِ عِرْضهِ، والتفكُّه بلحمهِ، والغضِّ منه لتضعَ منزلته من قلوب الناس، فهي الداءُ العضالُ ونارُ الحسنات التي تأكلُها كما تأكلُ النارُ الحطب» (٣).

فيقال: هذا حقٌّ لكنه في عامة الناسِ عدا ولي الأمر؛ لما سيأتي في التأصيل الآتي من الأدلة وإجماع السلف، والعجيبُ أنَّ كثيرًا من الناس يتناقضُ في هذا، فإذا ذكرتَ أخطاء مَنْ يحبُّ من الدعاة - ولو كانوا مبتدعة - دافعَ عنهم واستدلَّ على ذلك بحُرمة الغيبة، بخلافِ ما يتعلَّق بولي الأمر؛ فتراه سَبَّاقًا لنشرها وإشاعتها، وهو بهذا خالفَ النصوص الشرعية، وعكَسَ ما جاء به الشرع.


(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠) من حديث فاطمة بنت قيس.
(٢) أخرجه أبو داود (٤٨٦١)، وأحمد (٥/ ٢٨٩) من حديث عمرو بن الغفواء -رضي الله عنه-، وضعفه الشيح الألباني في السلسلة الضعيفة (١٢٠٥).
(٣) الروح (ص: ٢٤٠).

<<  <   >  >>