للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو كان كذلك لضاعَتْ مصالحُ الناس، ولادَّعى كلُّ أحدٍ من المفسدين أنه مظلوم، وإنما المرادُ أنه يأخذَ مظلمتهُ من الأمير العام.

ثم لو قُدِّر أن معناه أنه بمجرَّد المظلمة تسقط إمارة الأمير الخاص على بلدته، فإن هذه سياسة رآها الفاروق عمر وهي من حقِّه، فإنَّ الإمارة الخاصة تبعٌ للإمارة العامة، وللأمير العام حقٌّ في عزلِ الأمير الخاصِّ أو تضييق حدود إمارته، وليست هذه السياسة - على فرض التسليم بهذا المعنى - مُلزمةً لكلِّ أميرٍ عام، بل هي ترجع لما يراه الأمير العامُّ مصلحة، والله حسيبُه.

الشبهة الثالثة والستون:

حاول بعضُهم تضعيفَ حديث حذيفة الذي أخرجه مسلم: «تسمَعُ وتطيعُ للأمير وإنْ جلَدَ ظهركَ وأخذَ مالكَ؛ فاسمَعْ وأطِع» (١)، رواية ودراية؛ أما الرواية فقد اعتمدوا على كلام الدارقطني في تضعيفه، وقد نقل النووي في شرحه على مسلم كلامَ الدارقطني وخالفه.

فقال النووي: «قال الدارقطني هذا عندي مرسل؛ لأنَّ أبا سلام لم يسمع من حذيفة؛ وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيحٌ متصلٌ بالطريق الأول، وإنما أتى مسلمٌ بهذا متابعةً كما ترى، وقد قدَّمنا في الفصول وغيرها أن الحديث المرسل إذا روي من طريقٍ آخر متَّصلًا تبيَّنَّا به صحةَ المرسل وجاز الاحتجاج به، ويصير في المسألة حديثان صحيحان» (٢).


(١) أخرجه مسلم (١٨٤٧).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٢٣٧).

<<  <   >  >>