للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو كان البحث مع هؤلاء روايةً لكان الأمرُ سهلًا، لكن أن يضعِّفوهُ درايةً ومعنًى فهذا المستنكر.

وكشف هذه الشبهة من أوجه:

الوجه الأول: إذا كان الأمر راجعًا إلى التقليد فليس قولُ الدارقطني أَولى من قول مسلم في صحيحه، وتأييدِ النووي له؛ أمَّا إذا رجع إلى الحجَّة والبينة، فللباحث بحجَّته وبيِّنتهِ أن يأخذَ قولَ أحدهم بناءً على ما ظهرَ له، ولاسيَّما وله شاهد.

الوجه الثاني: أنَّ هذا الحديث لم يأتِ بشيء جديد، وإنما هو تفسيرٌ وتفصيل لما جاء في الأدلة من الصَّبر على جَور الحاكم، وقد تقدَّم ذِكرُها وأنَّ هذا مما أجمع عليه أهل السنة، والصَّبر على جَلْدهِ وأخذهِ للمال بغير حقٍّ تدلُّ عليه عمومُ الأدلة المتقدمة مع إجماع أهل السنة؛ فمعناهُ ثابتٌ بدون هذا الحديث، وعلى القول بضعفهِ فإنَّ الأدلة في الصبر على جَور الحاكم، وحُرمةِ الخروج عليه كثيرة.

الوجه الثالث: أنه بهذا التفصيل والتفسير قال عمر بن الخطاب فيما ثبت عنه: قال سويد بن غفلة، قال: «قال لي عمر: يا أبا أمية إني لا أدري لَعلِّي أن لا ألقاكَ بعد عامي هذا؛ فاسمَعْ وأطِعْ وإنْ أُمِّر عليكَ عبدٌ حبشيٌّ مجدَّع؛ إن ضربكَ فاصبرْ، وإن حرمكَ فاصبر، وإن أرادَ أمرًا ينتقصُ دينكَ فقل: سمعٌ وطاعةٌ، ودمي دون ديني؛ فلا تفارق الجماعة» (١).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٦/ ٥٤٤) بإسناد صحيح.

<<  <   >  >>