قال الدكتور حاكم:«وقد كان الصحابي عبادة بن الصامت يحدِّث بهذا الحديث في الشام وينكرُ على معاوية -رضي الله عنه- أشياء علانية، ويحتجُّ بحديث البيعة هذا، فكتب معاوية إلى عثمان: إنَّ عبادة بن الصامت قد أفسدَ عليَّ الشام وأهله. فلما جاء عبادة إلى عثمان قال له: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّه سَيَلي أمورَكُم بعدي رجالٌ يعرِّفونكُم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعةَ لمن عصى الله تباركَ وتعالى، فلا تعتلوا بربِّكم»، وقال ابن عباس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سيكونُ أمراء تعرفون وتنكرون، فمَن نابذَهم نجا، ومن اعتزلَهم سَلِم، ومن خالطَهُم هلك»، والمنابذة هنا المقاومة والتصدِّي للانحراف.
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتصدون للانحراف وإنْ صدرَ من الخلفاء أو الأمراء، وقد أنكرَ بعضُهم على مروان بن الحكم في يوم العيد، فقال أبو سعيد الخدري يقول:«مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان».
قال النووي في شرحه:«تطابقَ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتابُ والسنةُ وإجماعُ الأمة، وهو أيضًا من النصيحة التي هي من الدين .. قال العلماء: ولا يختصُ الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائزٌ لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماعُ المسلمين، فإنَّ غير الولاة في الصَّدر الأول والعصرِ الذي يليه كانوا يأمرون بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إيَّاهم وتركِ توبيخهم على التشاغُل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية»(١).