للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفتنة أعظمُ من الفساد الحاصل بظُلمهم بدون قتال ولا فتنة؛ فيُدْفَعُ أعظَمُ الفسادين بالتزام أدناهُما، ولعلَّه لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كلِّ ظالم وكلِّ باغٍ كيفما كان، ولا أمرَ بقتال الباغين ابتداءً» (١).

وقال الإمام ابن القيم: «فإذا كان إنكار المنكر يستلزمُ ما هو أنكَرُ منه، وأبغَضُ إلى الله ورسوله = فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقُتُ أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شرٍّ وفتنةٍ إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في قتال الأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نُقاتلهم؟ فقال: «لا، ما أقاموا الصَّلاة» (٢)، وقال: «مَنْ رأى من أميرهِ ما يكرهُه، فليصبر» (٣)، «ولا ينزعنَّ يدًا من طاعته» (٤).

ومَن تأمَّلَ ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعةِ هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد


(١) منهاج السنة النبوية (٣/ ٣٩١).
(٢) هذا عبارة عن حديثين: أخرج مسلم (٦٤٨) عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضربَ فخذي: «كيف أنتَ إذا بقيتَ في قوم يؤخِّرون الصلاة عن وقتها؟» قال: قال: ما تأمر؟ قال: «صَلِّ الصلاة لوقتها .. »، وأخرج مسلم (١٨٥٥) عن عوف بن مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «خيارُ أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلُّون عليكم وتصلُّون عليهم، وشِرارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة».
(٣) أخرجه البخاري (٧٠٥٣) ومسلم (١٨٤٩)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-.
(٤) أخرجه مسلم (١٨٥٥) من حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>