للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدم أنهم ما أرادوا القتال، وأنهم ندموا على فعلهم كما بيَّن ذلك ابن تيمية (١)، فكيف يُحتجُّ بفعلٍ ندمَ صاحبهُ على فعلهِ، وقد تقدم (١).

الاستدراك الثالث والعشرون:

قال حاكم عبيسان: «إن قصة التحكيم ذاتها دليلٌ واضحٌ على أنَّ الأمة هي الحكمُ في اختيار مَنْ تختاره للإمامة، كما أنَّ فيما حصلَ بين الحزبين دليل على تجذُّر الحزبية السياسية، ومشروعية الانتماء السياسي، وهو الميل مع طرف دون طرف، بدعوى أنه الأجدر بقيادة الأمة وإدارة شئونها» (٢).

في هذا مؤاخذتان:

المؤاخذة الأولى: جعل ما حصل من خلاف بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومن معه، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- ومن معه = دليلًا على أنَّ اختيار الحاكم راجعٌ للأمة.

وإنَّ القول بأن الحكم والولاية يكون بطريق الاختيار قولٌ حقٌّ لا مِريَة فيه؛ كما تقدَّم ذِكرُ الأدلة على ذلك من السنة والإجماع، لكن هذا الاختيار ليس من الأمة كلِّها، وليس في القصة ما يدلُّ على ذلك؛ بل فيها أن الأمر راجعٌ لأناس محدودين معينين معروفين. وهذا كافٍ في نقضِ أصلٍ عند الكاتب سبقَ بيانُ فساده، وأيضًا ليس في قصة التحكيم أنَّ تولي الولاية بغير طريق الاختيار لا يصحُّ شرعًا؛ فالعمل بالاختيار لا ينفي غيرَهُ من الطُّرق؛ كالتولِّي بالغلبة.


(١) (تقدم (ص: ١٧٥).
(٢) (ص: ٥٥).

<<  <   >  >>