إذا تقرَّر هذا فلابد أن يوجَّه كلامُ مالك في عدم صحَّة بيعة المكره على غير ولاية المتغلب، وهذا يتَّضح بما يأتي - إن شاء الله -.
الوجه الثالث: أنَّ من المالكية مَنْ حكى إجماعًا على صحَّة بيعة المتغلب كابن أبي زيد القيرواني وابن بطال، فلو كان مالك مخالفًا لبيَّنوا ذلك.
الوجه الرابع: أن كلَّ صورة يمكن معها إثباتُ بيعة المتغلب مع عدم صحة بيعة المُكرَه يصحُّ أن يُحمل عليها كلام الإمام مالك في عدم صحَّة بيعة المكره
- لو ثبت عنه -، فلو أنَّ مدينةً بين دولتين، وقد استقر الحكم لكلِّ حاكم في هاتين الدولتين، فإنَّ إلزام أحد هذين الحاكمين أحدَ أفراد هذه المدينة بالبيعة وهي ليست تحت حُكمهِ وقهرهِ تكون بيعة مكره، فبهذا يجتمعُ إثبات أنَّ الإمام مالكًا يقول ببيعة المتغلِّب مع عدم صحة بيعة المكره.
وهذا مثالٌ من الأمثلة، وقد توجد أمثلة أخرى مثل أن ينتقل رجلٌ إلى دولة حاكمٍ آخر لطلب رزقٍ أو غير ذلك، فيُلزِمهُ هذا الحاكم ويُكرِهُه على أن يبايعه، وفي عُنقه بيعةٌ للحاكم الأول فمثل هذا لا تصحُّ بيعته له لأنها بيعة مُكره.
الشبهة التاسعة عشرة:
أن الصحابة مُجمعون على عدم صحة الولاية للمتغلب، واستدلُّوا على ذلك بأن أبا بكر قال للصحابة: أترضون بمن استخلف عليكم؟ فإني والله ما ألَوتُ من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني استخلفتُ عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا. قالوا: سمعنا وأطعنا. وفي رواية: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. وقال بعضهم: قد علمنا به. فأقروا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا.