للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المؤاخذة الثانية: استدلاله على تقسم المسلمين في قصة التحكيم إلى صنَفين = على جواز التحزب السياسي.

وهذاالاستدلال استدلال هَوَسٍ وخَرَفٍ؛ وذلك لأسباب أذكُر منها أمرين:

السبب الأول: أنَّ هذا التقسُّم من المسلمين مذمومٌ لا جائزٌ محمود ليستدلَّ به؛ ويدلَّ على أنه مذمومٌ أن أكثر الصحابة اعتزلوه، وأثنى رسول الله على الحسن أنَّ الله سيصلحُ به بين المسلمين فيكونون أمة واحدة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي الثاني سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة؛ وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر ونحوهم. ولعلَّ أكثر الأكابر من الصحابة كانوا على هذا الرأي (١)؛ ولم يكن في العسكرَين بعد علي أفضلُ من سعد ابن أبي وقاص، وكان من القاعدين» (٢).

وقال أيضًا: «فهذا الحديثُ يبيِّن أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ محمد بن مسلمة لا تضرُّه الفتنة، وهو ممن اعتزلَ في القتال فلم يقاتل لا مع علي ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأبو بكرة، وعمران بن حصين، وأكثر السابقين الأولين.

وهذا يدلُّ على أنه ليس هناك قتالٌ واجبٌ ولا مستحب، إذ لو كان كذلك لم يكن تركُ ذلك مما يُمدَحُ به الرجل، بل كان مَنْ فَعَلَ الواجبَ أو المستحب أفضلُ ممَّن ترَكَهُ، ودلَّ ذلك على أنَّ القتال قتال فتنة» (٣).


(١) أي على الاعتزال.
(٢) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٧).
(٣) منهاج السنة النبوية (١/ ٥٤٢).

<<  <   >  >>