للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنَّ عليًّا لم يفرح بذلك، بل ظهر منه من التألم والندم ما ظهر، ولم يُذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك سنة؛ بل ذُكر أنه قاتل باجتهاده، فأهلُ المدينة اتبعوا السنة في قتال المارقين من الشريعة وترك القتال في الفتنة، وعلى ذلك أئمة أهل الحديث؛ بخلاف مَنْ سوَّى بين قتال هؤلاء وهؤلاء؛ بل سوَّى بين قتال هؤلاء وقتال الصديق لمانعي الزكاة، فجعل جميع هؤلاء من باب البغاة كما فعل ذلك من فعله من المصنفين في قتال أهل البغي؛ فإن هذا جمع بين ما فرَّق الله بينهما، وأهلُ المدينة والسنة فرَّقوا بين ما فرَّقَ الله بينه واتَّبعوا النصَّ الصحيح والقياس المستقيم العادل» (١).

وقال: «وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام؛ بمنزلةِ مانعي الزكاة وبمنزلة الخوارج الذين قاتلَهُم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولهذا افترقت سيرة علي -رضي الله عنه- في قتاله لأهل البصرة والشام وفي قتاله لأهل النهروان؛ فكانت سيرتُه مع أهل البصرة والشاميين سيرةَ الأخِ مع أخيه ومع الخوارج بخلاف ذلك.

وثبتت النصوصُ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بما استقرَّ عليه إجماعُ الصحابة من قتال الصديقِ وقتال الخوارج؛ بخلاف الفتنة الواقعة مع أهل الشام والبصرة؛ فإنَّ النصوص دلَّت فيها بما دلت والصحابة والتابعون اختلفوا فيها. على أن من الفقهاء الأئمة مَنْ يرى أنَّ أهل البغي الذين يجبُ قتالهم هم الخارجونَ على الإمام بتأويلٍ سائغ؛ لا الخارجون عن طاعته.

وآخرون يجعلونَ القسمَين بغاة؛ وبين البغاة والتتار فرق بين» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٣٩٤).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٥٠٣).

<<  <   >  >>