للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكشفُ هذه الشبهة من أوجه:

الوجه الأول: أن أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يفسِّر بعضُها بعضًا، فقد تقدَّمت الأدلة والإجماعُ على حرمة الخروج على السلطان (١)، فيُحمَل هذا الحديثُ على إنكار ما أتى به السلطان من المحرَّمات؛ مثل آلات الطرب؛ مع مراعاة المصالح والمفاسد.

قال ابن رجب: «وقد يُجاب عن ذلك بأنَّ التغيير باليد لا يستلزم القتال. وقد نصَّ على ذلك أحمد أيضًا في رواية صالح، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذٍ فجهادُ الأمراء باليد أن يُزيلَ بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يُريقَ خمورهم أو يكسرَ آلاتِ الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكلُّ هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي وردَ النهيُ عنه، فإنَّ هذا أكثر ما يُخشى منه أن يُقتلَ الآمرُ وحده» (٢).

الوجه الثاني: أن المراد بهذا الحديث الأمم السابقة، فليس المرادُ به شريعتنا، كما قاله ابن الصلاح والنووي.

قال النووي: «على أنَّ هذا الحديث مَسوقٌ فيمن سبقَ من الأمم، وليس في لفظهِ ذكرٌ لهذه الأمة. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو وهو ظاهر كما قال» (٣).

الوجه الثالث: أنه لما رأى الإمام أحمد ظاهرَ هذا الحديث مخالفًا للأحاديث الكثيرة في الصبر على جَور السلطان وظُلمه = ضعَّفَ هذا الحديث، وفعل مثلَه الأثرم.


(١) تقدم (ص: ٣٥، ٣٩).
(٢) جامع العلوم والحكم (٢/ ٢٤٨).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٢٨).

<<  <   >  >>