للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«(تنبيه): ثم وقفتُ على حديث يخالف ظاهرُه حديثَ عوف بن مالك الناهي عن منابذة الأئمة والحكام بالسيف، فرأيتُ أن أبيِّن حاله خشيَة أن يتشبَّث به بعضُ الجهلة من خوارج هذا الزمان، أو ممَّن لا علمَ عنده بهذا العلم الشريف وفقه الحديث، ألا وهو ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١١/ ٣٩ - ٤٠) من طريق الهياج بن بسطام عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:

«سيكونُ أمراءُ تعرفونَ وتنكرون، فمَن نابذَهُم نجا، ومن اعتزَلهم سَلِمَ، ومن خالَطَهُم هلك».

وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ ليث - وهو ابن أبي سليم - ضعيف مختلط، والهياج ابن بسطام - وهو الخراساني - متفق على ضعفه؛ بل اتَّهمه ابنُ حبان؛ فقال:

«يروي الموضوعات عن الثقات»، وبه أعلَّه الهيثمي (٥/ ٢٢٨).

أقول: وهذا الحديث قد عزاه السيوطي لابن أبي شيبة أيضًا؛ يعني في (المصنف)، ولم أره فيه بعد البحث الشديد، فإن صحَّ إسناده عنده أو غيره كان لا بد من تأويل قوله: «نابذهم» أي: بالقول والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا بالسيف؛ توفيقًا بينه وبين حديث عوف كما تقتضيه الأصول العلمية والقواعد الشرعية، وإن لم يصحَّ نبذناه لشدة ضعف إسناده. والله -سبحانه وتعالى- أعلم» (١).

ومقتضى العدل والإنصاف: ألَّا يكتفي منصفٌ بكلام الألباني المختصر في صحيح الجامع، ويدع المفصل الموافق لبقية الأدلة وإجماع أهل السنة.

الوجه الثاني: أنه مخالف للأدلة المتواترة في الصَّبر على جَور الحاكم - وقد تقدم ذكرها - (٢).


(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة (٧/ ٢١).
(٢) تقدم (ص: ٣٧).

<<  <   >  >>