للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهة الثالثة: تقدَّم أنه لا يصحُّ لأحدٍ أن يدفعَ عن مالهِ ونفسهِ تجاهَ الإمامِ الجائر؛ للأدلَّة، ولقولِ عمر، وللإجماع الذي حكَاهْ ابنُ المنذر عن أهل الحديث (١).

الجهة الرابعة: الإسناد الذي ذكره الحافظ عن عليٍّ ضعيف؛ لأن فيه رجلًا مبهمًا لذا لم يحكم الحافظ بصحة السند كلِّه، ثمَّ لو صحَّ فإنَّ المراد بأثر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- النهيُ عن القتال، ووصفَ الحافظ ابن حجر في كلامه المتقدِّم الحسين وغيره بأنهم خرَجوا لا يعني أنهم خوارج، بل فعلوا الخروجَ، ولا يلزمُ من فعلِ الرجل للخروج أن يكونَ خارجيًّا؛ لأن الشرطَ في وصفِ الرجل أن يكون خارجيًّا لم ينطبق، والمرادُ بخروجهم دفعُ مظلَمةٍ لا منازعة الحاكم في ملكهِ وحكمهِ، فمثلُ هؤلاء يجبُ على الحاكم أن يسمَع لهم ويردَّ مظلمتهُم؛ بخلافِ مَنْ خرجَ لمنازعته في ملكهِ ولو كان ظالمًا.

قال ابن قدامة: «قومٌ من أهل الحقِّ، يخرجون عن قبضةِ الإمام، ويرومونَ خلعَهُ لتأويلٍ سائغ، وفيهم منعةٌ يحتاجُ في كفِّهم إلى جمعِ الجيش، فهؤلاء البغاة، الذين نذكرُ في هذا الباب حكمَهُم، وواجبٌ على الناس معونةُ إمامهم، في قتال البغاة» (٢).

على هذا يكون كلامُ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في قومٍ خرجوا للمطالبة بمظلمتهم، فلا يجوزُ للإمام مقاتلتهم ولا تجوزُ إعانته على ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا قال الفقهاء في البغاة إنَّ الإمام يراسلُهم؛ فإنْ ذكَروا شبهةً بيَّنها، وإن ذكروا مظلمةً أزالَها؛ كما أرسل عليٌّ ابنَ عباس إلى الخوارج فناظَرَهُم حتى رجعَ منهم أربعة آلاف، وكما طلب عمر بن عبد العزيز دعاةَ القدرية والخوارجَ


(١) تقدم (ص: ٢١١).
(٢) المغني (٨/ ٥٢٦).

<<  <   >  >>