للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتن» (١).

فالفتن مثل الحروب التي تكون بين ملوك المسلمين وطوائف المسلمين، مع أنَّ كل واحدةٍ من الطائفتين ملتزمة لشرائع الإسلام مثل ما كان أهلُ الجمل وصفين؛ وإنَّما اقتتلوا لشُبَهٍ وأمورٍ عرضَت» (٢).

وقال: «قال حذيفة: ما أحدٌ من الناس تُدرِكهُ الفتنة إلَّا أنا أخافُها عليه إلَّا محمد بن مسلمة، فإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تضرُّكَ الفتنة» (٣).

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة، قال: دخلنا على حذيفة فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضرُّه الفتن شيئًا. قال: فخرَجنا فإذا فسطاطٌ مضروب، فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك، فقال: ما أريدُ أن يشتملَ علي شيءٌ من أمصاركم حتى تنجلي عما انجلت.

فهذا الحديث يبيِّن أنَّ النبي -رضي الله عنه- أخبر أنَّ محمد بن مسلمة لا تضرُّه الفتنة، وهو ممَّن اعتزلَ في القتال فلم يقاتل لا معَ عليٍّ ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد ابن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأبو بكرة، وعمران بن حصين، وأكثر السابقين الأولين.

وهذا يدلُّ على أنه ليس هناك قتالٌ واجبٌ ولا مستحب، إذ لو كان كذلك لم يكن تركُ ذلك مما يُمدَحُ به الرجل، بل كان من فعل الواجب أو المستحب


(١) أخرجه البخاري (١٩) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) الفتاوى الكبرى (٣/ ٥٦٠).
(٣) أخرجه أبو داود (٤٦٦٣).

<<  <   >  >>