وقد كان الحسن البصري -رحمه الله- هو داعيةَ هذا الفكر، فقد قيل له: ألا تخرجُ فتغيِّر؟ فكان يقول: إنَّ الله إنما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف؟! وإنما كان ذلك منه - فيما يبدو - بعد الهزيمة؛ إذ كان قبل ذلك يرى الخروج على أئمة الجور كما قال عنه يونس: كان الحسن - والله - من رؤوس العلماء في الفتن والدماء.
وقد سئل الحسن عن قتال الحجاج الذي سفكَ الدَّمَ الحرامَ وأخذَ المال الحرام؟ فقال:«أرى ألَّا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبةً من الله فما أنتم برادِّي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكُمَ الله وهو خير الحاكمين».
وقال لأخيه سعيد بن أبي الحسن - وكان مع ابن الأشعث يحرِّض الناس - فقال الحسن:«أيها الناس، إنه واللهِ ما سلَّط الله الحجاجَ عليكم إلَّا عقوبةً، فلا تُعارضوا عقوبةَ الله بالسيف، ولكن عليكم بالسَّكينة والتضرع»(١).
إن هذا الكلام من الدكتور حاكم العبيسان كلامُ مَنْ تلاعبَ به هواه وزُيِّن له سوءُ عمله، قال تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[فاطر: ٨]، وقال:{وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ}[غافر: ٣٧].
كيف يتجرَّأ على كتابة مثل هذا ونشره؟، صدق الله:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦].
إنَّ في هذا الكلام الذي يذكره الدكتور حاكم العبيسان عدة موبقات:
الموبقة الأولى: تقريره أنَّ عقيدة السمع والطاعة للحاكم الفاسق عقيدةٌ بدعية نشأت ردَّة فعلٍ لفتنة ابن الأشعث.