وذكر ابنُ كثير وقعة الحرَّة التي كانت لأهل المدينة فقال:«وكان سببُ وقعة الحرة أنَّ وفدًا من أهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق، فأكرَمهُم وأحسنَ جائزتهم، وأطلقَ لأميرِهم - وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر - قريبًا من مائة ألف، فلما رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر، وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها تركُ الصلاة عن وقتها بسبب السُّكر، فاجتمعوا على خلعهِ، فخلعوه عند المنبر النبوي، فلما بلغه ذلك بعثَ إليهم سريَّة يقدُمها رجل يقال له: مسلم بن عقبة.
وإنَّما يسمِّيه السلف مسرف بن عقبة، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام، فقتل في غبون هذه الأيام بشرًا كثيرًا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها، وزعمَ بعضُ علماء السلف أنه افتضَّ في غبون ذلك ألف بكر - فالله أعلم -.
وقال عبدالله بن وهب عن الإمام مالك: قُتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حمَلة القرآن. حسبتُ أنه قال: وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في خلافة يزيد» (١).
الوجه الرابع: أظهر الدكتور نفسه معظِّمًا وعالمًا بالنصوص ووصفَ غيره
- ولازِمُ هذا الوصف أنه لجميع أئمة السنة - أنهم خلَطوا بين النصوص.
وهذا الكلامُ باطلٌ عاطلٌ، وحكايتهُ كافية عن بيان سقوطهِ وهُزاله، ولو قُبل من أحد - تنزُّلًا - فإنه يُقبل من رجل يعظِّم النصوص ويردُّ متشابهها إلى مُحكمَها؛ لا من رجل يضربُ النصوصَ بعضَها ببعض ويتأوَّلها تأويلَ أهل البدع كما اتَّضح في كلامه الكثير الذي رددتُ عليه.