ومَن عرف القواعدَ الشرعية عرفَ ضرورة الناس وحاجتهم في دينهم ودنياهم إلى الجماعة والإمامة، وقد تغلَّبَ مَنْ تغلَّب في آخر عهد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطوه حكم الإمامة، ولم ينازعوا كما فعل ابن عمر وغيره، مع أنها أُخذت بالقهر والغلبة، وكذلك بعدَهم في عصر الطبقة الثالثة تغلَّب مَنْ تغلَّب وجرت أحكامُ الجماعة والإمامة، ولم يختلف أحدٌ في ذلك، وغالبُ الأئمة بعدَهُم على هذا القبيل وهذا النمط، ومع ذلك فأهلُ العلم والدين يأتمرون بما أمروا به من المعروف، وينتهون عما نهوا عنه من المنكر، ويجاهدون مع كلِّ إمام، كما هو منصوصٌ عليه في عقائد أهل السنة، ولم يقل أحدٌ منهم بجواز قتال المتغلِّب والخروج عليه وتركِ الأمة تموجُ في دمائها وتستبيحُ الأموالَ والحرمات، ويجوسُ العدو الحربي خلالَ ديارهم وينزلُ بحماهم - هذا لا يقولُ بجوازه وإباحته إلَّا مصابٌ في عقله، موتورٌ في دينه وفهمه، وقد قيل:
لا يَصلُحُ الناسُ فوضى لا سَراةَ لهم … ولا سَراةَ إذا جُهَّالهمْ سادوا (١)
وعلَّق الدكتور في الحاشية عند قول الإمام عبد اللطيف «إلَّا مع الجماعة والإمامة»: «تأمَّل هذا الأصلَ العظيم كيف غابَ عن دُعاة الفكر السلفي المعاصر الذين همَّشوا موضوعَ الإمامة بدعوى أنها من الفروع».
في هذا أمور عدة:
الأمر الأول: أثنى على هذا الكلام وهو صريحٌ في نقل الإجماع على صحَّة إمامة المتغلِّب، وأنَّ هذا اعتقادُ أهل السنة، وهذا كلُّه يناطحهُ الدكتور بهواه أو جهلهِ، فثناؤهُ على هذا الكلام من العلَّامة عبد اللطيف تناقضٌ وحُجَّة عليه.