للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يجوز إجماعًا؛ لما ذكرنا» (١).

وأصلُ ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا بُويعَ لخليفتين فاقتلوا الآخرَ منهما» (٢).

وكشف هذه الشبهة هو أن هذا الإجماع محمول على أحد أمرين:

الأمر الأول: إذا كان المسلمون في ولاية واحدة، فلا يُبايع لأكثر من خليفة بخلاف إذا تعددت الولايات، فإنَّ لكل ولاية حُكمَها، وقد أشار لهذا ابن تيمية لما قال: «وأما أئمة الفقهاء فمذهبُهم أنَّ كلًّا منهما ينفُذ حكمه في أهل ولايته كما ينفُذ حكمُ الإمام الواحد.

وأما جواز العقد لهما ابتداءً، فهذا لا يُفعل مع اتفاق الأمة، وأمَّا مع تفرقتها فلم يعقد كل من الطائفتين لإمامين» (٣).

الأمر الثاني: أن المراد بالحديث والإجماعات ما كان في حال الاختيار بخلاف حال الاضطرار، فتكون شبيهةً بمسألة ثبوت الولاية بالتغلب والقهر، فإنَّ الأصل أن لا تكون للمسلمين إلَّا دولةٌ واحدة؛ وتعدُّدُ الولايات والدول حالةُ اضطرارٍ لها حكمُها، وسواء كان الجواب الأول أو الثاني، فإن ثبوت الولاية للإمامين في الدولتين فأكثر درجَ عليه المسلمون من وقت الصحابة، وتقدَّم نقل كلام ابن تيمية.

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب: «الأئمة مجمعون من كلِّ مذهب، على أنَّ من تغلَّب على بلد أو بلدان = له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما


(١) تفسير القرطبي (١/ ٢٧٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٨٥٣).
(٣) نقد مراتب الإجماع (ص: ٢٩٨).

<<  <   >  >>