بل قال تحت حديث رقم ٥٥٨٠ "علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه" قال: قد سبق أن لفظ "مولى" مشترك بين معان، وأبعد من قال: المراد هنا يتولى من كنت أتولاه، بل ظاهره أن المراد أن ما ثبت لي من الولاية فهو لعلي إلا ما خصه لاختصاص النبوة.
ولا يمكن نسبته إلى الغلو في التشيع ولا إلى انحيازه إلى الاعتزال لهناتٍ قليلة صدرت عنه في مواضع قليلة نادرة، ولعل هذا ما استقر في قلبه قديماً قبل أن يتوسع أفقه وتتسع مداركه؛ لأنه صدر عنه ما يدل على اعتداله وانصافه، كما قال تحت حديث:"المرء مع من أحب": ثم ليعلم أن المراد بالحب المأذون فيه شرعاً، فمن أحب عيسى عليه السلام وجعله لله ولداً فما أحبه ولا هو معه، وكذلك من أحب علياً عليه السلام حب الغلاة.
وقال أيضاً تحت حديث (رقم: ٥٥٧٩)"علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" قال: إنما قال ذلك تحذيراً مما وقع فيه قوم موسى من الغلو كغلاة الروافض فإنهم زعموا أنه نبي يوحى إليه.
وقال تحت حديث "عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب" قال الصنعاني: والمراد الحب الذي لا إفراط فيه كالغلاة. ولا شك بأن الصنعاني يرى.
والصنعاني معذور في سلوكه لهذا المنهج خاصة لمن نظر وتتبع حالة المجتمع الإِسلامي وما وصل إليه من خرافة وتقليد في زمنه، وبيئته وسيطرة كاملة من الزيدية في بلده فإذا ظهر رجل في وسط هذا المجتمع بهذا الفكر النيّر، وهذه الدعوة التي ترد كل شيء إلى الكتاب والسنة في الأصول والفروع، كان هذا دليلاً على صحة مذهبه ودعوته، وقد يكون ذكر ذلك تورية ليتجنب شر هؤلاء، وكذلك كان تأليفه لهذا الكتاب متقدما في شبابه فقد عاش بعده ٢٧ عامًا فلعله قد تراجع عنها. نسأل الله له العفو والعافية (١).
(١) وقد نبّهت على ذلك عند وروده، واكتفيت بما ذكرته هنا فإذا تكرر ذلك وسهوت عنه ففيما ذكرته كفاية.