كانت المئة الثامنة والتاسعة من أغنى حقب تاريخ الحضارة الإِسلامية ثراءً بالأعلام العظماء، الذين بنوا حضارة سامية، وتركوا آثاراً جليلة في شتى الميادين الحضارية والمعرفية، برز ذلك في الحكم والإدارة، والعمران، والعلوم، والثقافة، والآداب، والفنون، والاقتصاد، وغير ذلك من فنون النشاط المعرفي الإنساني. ونبغ في هذين القرنين -الثامن والتاسع- علماء أغنوا المكتبة العربية الإِسلامية بما أنتجته قرائحهم من معارف الإنسان من ناحية، وبما وظفوه من التراث الفكري المكتوب الذي ورثوه من أسلافهم بالشرح، والاختيار، والاختصار، والجمع، والتحشية، والنقد وما إلى ذلك من ناحية أخرى، فزخرت المكتبة العربية بعشرات الآلاف من كتب تناولت فنون المعارف الإنسانية كلّها في حضارة المسلمين من رجال القرنين الثامن والتاسع، اضطلع بذلك مفسرون، وحفاظ، ومحدثون، وقراء، وفقهاء، ولغويون، ونحاة، ومؤرخون، وجغرافيون، ورياضيون، وعلماء في العلوم التطبيقية من هندسة، وطب، وفلك، وما إلى ذلك من الفنون.
وثمة ظاهرة في هذين القرنين وهي تنامي الاتجاهات المعرفية الموسوعية عند كثير ممن نبغ في تلك الحقبة من الزمان، كان منهم في المئة الثامنة، كان من أعلامها:
تقي الدين، شيخ الإِسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، توفي سنة:(٧٢٨ هـ) وهو مكثر من التصنيف، ومن تصانيفه:"مجموع فتاواه" وطبعت في الرياض في ٣٥ مجلدًا، "ومنهاج السنة" و"درء تعارض العقل والنقل" وغيرها من الدواوين.