بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق.
ويقول:"وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثاً بنعمة الله تعالى لا فخرًا. وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟! ".
وكانت الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي يقبل عليها الطلاب، فقد عُيّن -في أول الأمر- مدرسًا للفقه بالشيخونية، وهي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية.
وقد نشب خلاف بين السيوطي وهؤلاء المتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة يقتلون الرجل، حينئذ قرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة (١).
[ثناء العلماء عليه]
لقد برز السيوطي في الفنون جميعها وفاق الأقران واشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة كالجامعين في الحديث، والدر المنثور في التفسير، والإتقان في علوم القرآن وتصانيفه في كل فن مقبولة قد سارت في الأقطار مسير النهار، ولكنه لم يسلم من حاسد وجاحد لمناقبه، فإن السخاوي المتوفى في سنة (٩٠٢ هـ)، في كتابه الضوء اللامع، -وهو من أقرانه- ترجمه ترجمة مظلمة غالبها ثلب فظيع وسب شنيع وانتقاص وغمط لمناقبه تصريحاً وتلويحاً، وقد تنافس هو والسيوطي منافسة أوجبت تأليف السيوطي لرسالة سماها "الكاوي لدماغ السخاوي"، فليعرف المطلع على ترجمة هذا الفاضل في الضوء اللامع أنها من خصم غير مقبول عليه، وهذا دأب الناس مع من بلغ إلى تلك الرتبة، ولكن جرت
(١) جلال الدين السيوطي للأستاذ محمَّد عبد العظيم خاطر (ص ٢٠).