يضحك وقد أكل التراب أسنانه وأنه كيف كان يدخر لنفسه مالًا يحتاج إليه عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبين الموت إلا شهر وهو غافل عما يراد به حتى جاءه الموت في وقت لم يحتسبه فانكشف له صورة الملك وقرع سمعه النداء إما بالجنة أو النار فبعد ذلك ينظر في نفسه أنه مثلهم وغفلته كغفلتهم وستكون عاقبته كعاقبتهم، قال أبو الدرداء: إذا ذكر الموتى قعّد نفسك كأحدهم، وقال ابن مسعود: السعيد من وعظ بغيره، وقال عمر بن عبد العزيز: ألا ترون أنكم تجهزون كل يوم غاديا أو رائحًا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ تضعونه في صدغ من الأرض قد توسد التراب وخلف الأحباب وقطع الأسباب فملازمة هذه الأفكار ونحوها قبل حلول المقابر ومشاهدة المرضى هو الذي يجدد ذكره الموت في القلب حتى تغلب عليه بحيث يصير نصب عينيه فعند ذلك يوشك أن يستعد له ويتجافى عن دار الغرور وإلا فالذكر بعذبة اللسان وظاهر القلب قليل الجدوى في التحذير والتنبيه ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا ينبغي أن يتذكر في الحال أنه لا بد من مفارقته. انتهى (هب عن ابن عمر)(١).
١٣٩٤ - "أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه (هب حب) عن أبي هريرة (البزار) عن أنس"(صح).
(أكثروا من ذكر هاذم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه) لأنه إذا تيقن من هو في الضيق أنه مفارقه خالص عنه هان عليه ما هو فيه لأنّ الخلوص من المكروه محبوب ولذا جاء في الحديث أنه لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون فيها عدد أيام الدنيا لفرحوا ولو قيل ذلك لأهل الجنة
(١) أخرجه البيهقي في الشعب (٤٨٣٣)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١٢١٠).