معرفة الرب تعالى لا غير. (فاستهدوني) اطلبوا منه الهداية الدلالة على طرق الخير والإيصال إليها. (أهدكم) فإنه من يهد الله فهو المهتدى، والمراد: طلب الهداية منه تعالى لفظا وفعلًا فإن الذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم، ولما كانت الهداية إذا نالها العبد شاملة لما ينفعه في معاده ومعاشه اقتصر عليها في الحديث كما اقتصر على طلبها في الفاتحة التي تقرأ في كل صلاة وأثنى على رسوله بها في قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)} [الضحى: ٧] وكذلك اقتصر في الإخبار عن المنهيات عن الظلم لأنه من انتهى عنه انتهى عن كل شر، ولما فرغ من الامتنان بأمور الدين شرع في ذكر الامتنان بأمور الدنيا فقال:[٣/ ١٧٧](يا عبادي، كلكم جائع) بدأ به لأنه أعظم حاجات الإنسان وبه قوام ذاته وتمام حياته، ولذا قال في صفة الجنة: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)} [طه: ١١٨] فخص الأمرين لأنهما أعظم حاجات الإنسان. (إلا من أطعمته) فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. (فاستطعموني) اطلبوا الإطعام مني فإن خزائن الدنيا والآخرة بيدي. (أطعمكم) فإن قيل ما وجه الاستثناء والكل من العباد قد أطعمه تعالى وغذاه برزقه قال الشارح: لأنه أريد بالإطعام ومثله الكسوة النفع التام والبسط في الرزق وعدمهما التقتير والتضيق.
قلت: فيلزم أنه أريد بجائع وعار عدم السعة في الأمرين وهو خلاف الظاهر إلا أنه التجأ إليه لأنه لو لم يقل بذلك لزم الاستثناء المستغرق وقد منعه الأصوليون، وجعل ابن الحاجب وشراح كتابه في الأصول، الحديث من أدلة القائلين بجواز استثناء الأكثر ولا يتم إلا إذا أريد ما قيل إنه أريد التوسعة وأن الموسع عليهم الأكثر.
(يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم) اطلبوني وافتقروا إلى وفيه رد على من زعم أن من الأدب مع الرب عدم الطلاب منه. (يا عبادي،