وكان ساكناً وادعاً لا شر فيه ولا باطن سوء لمخالفيه ولا محالفيه. وساس الملك تلك المده، وداهن أعاديه وهم حوله على انفراد عده. وكان محباً لمن يخدمه، مكباً على من يصطنعه أو يقدمه.
ولما توجه الناصر إلى الكرك، تداها على الجاشنكير ولم يشركه في الوقوع في الشرك، فسلطنه بل سرطنه، وحببه للملك بل جننه، ودربه لذلك بل درنه. ومشى قدامه، إلا أن ذاك عير غير فطن وذاك خب خبعثنة. وما كان بأسرع من أن استحالت الدولة عليه، وفرت بأجمعها من بين يديه. وكان هو فيمن خامر، وقام مع الحزب الناصري وقامر. إلا أنه حاق به مكره، وأتعبه خماره وسكره، ومات في السجن جوعا، ولم يجد إلى الدنيا رجوعا. يقال إنه أكل من مداسه الكعاب، وتحقق أن الدنيا مومس بالية، وكان يظن أنها كعاب.
وتوفي - رحمه الله تعالى - معتقلاً بالقلعة في الديار المصرية في شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبع مئة.
وكان يتحدث أن إقطاعه بضع وثلاثون طبلخاناه، واشتهر على ألسنة العوام وغيرهم أنه يدخله في كل يوم مئة ألف درهم. واستمر في النيابة إحدى عشرة سنة.
ولما ملك الجاشنكير استمر به في النيابه، وازداد عظمةً وسعاده، وأقام على ذلك تسعة أشهر. ولما عاد السلطان من الكرك تلقاه سلار إلى أثناء الرمل. ولما جلس على كرسي الملك أعطاه الشوبك، فتوجه إليها في جماعته، وتشاغل السلطان عنه،