قدم القدمه، وخدمته الأيام والليالي، وجرت أنهار دمشق له ذهباً، وأصبح حصاها لآلي، ووجه الناس بمباشرته السعيدة أماناً من الحوادث، وبقيت المناصب في أيدي مباشريها أوقافاً عليهم، تنتقل من وارث إلى وارث، وسد باب المرافعات والمصادرات، واغتنم أفعال الخير مع الناس بالمعاجلة والمبادرات، فكأنما كانت أيامه مواسم، وهبات هباته نواسم، وثغور الأيام فرحاً به في رحابه بواسم، والأرزاق بأقلامه قد أثقلت الغوارب وأعيت المناسم، وسعادات تدبيره لأدواء اللأواء حواسم، وربوع الجور والعدوان في مدة مباشرته طوامس ويقال: طواسم، وكأن أبا الطيب أراده بقوله:
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدنيا ابتسام
ورأى دمشق وتمتع بمحاسنها، وتنعم في ظلالها الوارفة من مساكنها، واقتنى بها الأملاك النفيسه، وحصل بها الأموال التي تكون البحار الزاخرة عليها مقيسه.
ولم يزل في سعادة بعد سعاده، وزيادة بعد زياده، إلى أن نقض حبله، ونفض ويله، فتغير له تنكز وتنكر، وأكمن له وتفكر، فاتفق مع السلطان على عزله، وأن يريه جده بعد هزله، فقبض عليه في حادي عشر شوال سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، وبقي في الاعتقال إلى أن حضر السلطان من الحجاز فطلبه إلى مصر، فالتزم له بتكملة ألف ألف درهم.
ونزل إلى بيته وأقام بالقاهرة إلى أن أذنت شمسه بالغروب، وجرت الدموع عليه من الغروب.